مع ختام العام 2016 وحصد الحصاد السنوي لا بد من البدء من آخر الأحداث المهمة التي أتت نتيجة للعديد من التجاذبات السياسية والعسكرية اقليميا ودوليا، فما جرى في مدينة حلب السورية وهروب المسلحين منها يعتبر فاتحة للعام الجديد، ومسار الأحداث الآلية لرسم خارطة المستقبل في سوريا والمنطقة.
في بداية هذا العام بدات التكتلات الدولية تأخذ طابعا جديا لمواجهة تنظيم داعش، فقامت الولايات المتحدة بحشد دول العالم من خلال التحالف الدولي الذي ضم دولا أوروبية وعربية على حد سواء، وانطلقت الغارات الجوية المكثفة لشل قدرات داعش المالية والعسكرية، بالإضافة إلى دعم بعض القوى العسكرية المعارضة الواضحة التوجه بعيدا عن التطرف كقوات سوريا الديمقراطية وقوات حماية الشعب والمرأة الكردية بالإضافة إلى قوات النخبة التابعة للشيخ أحمد الجربا، وفي المقابل حاولت المملكة العربية السعودية تحضير حشد عسكري عربي - إسلامي تحضرا للخطر الداعشي الكامن، إلا أنه وعلى ما يبدو بقي مخططا في الأدراج وحبرا على ورق.
في تلك الاثناء كانت قواعد اللعبة تتغير بصورة جذرية من ناحية التحالفات وبعض المواقف المتشنجة، خصوصا مع الجانب التركي، حيث مد أردوغان يده إلى كل من روسيا وإيران ضمن صفقة متعددة الجوانب منها السياسي والعسكري والاقتصادي، حيث تم ضمان ولو بشكل جزئي إغلاق البوابات التركية التي كانت مفتوحة للدواعش على مصراعيها، وقفل أنابيب النفط التي كانت تنقل نفط داعش من سوريا الى تركيا لبيعها، كما أدى هذا التقارب الى نتائج مباشرة في حلب مع الايعاز التركي إلى الفصائل المدعومة منها بإنهاء القتال والانسحاب تمهيدا لدخول الجيش السوري وحلفائه ليقفل ملف مدينة حلب نهائيا مع كل رمزيته التركية-السورية.
في ظل هذه التطورات برز الدور المصري المعلن منه والخفي، ما أدى إلى بوادر خلاف سياسي مع المملكة العربية السعودية بسبب المواقف من الأزمة السورية، بسبب الإصرار المصري على ضرورة إغلاق الملف السوري بالطرق السلمية المباشرة لوقف حمام الدم الذي يعاني منه الشعب السوري، وهو ما يتعارض مع الرغبة السعودية التي ترفض إشراك الرئيس السوري باي شكل من أشكال الحل السياسي أو الفترة الانتقالية المطلوبة لإنهاء الأزمة المستمرة منذ ست سنوات.
علما أن ملف الإرهاب مع القيادة المصرية لا يقل أهمية عن اي ملف إرهابي في العالم بل من الممكن تصنيفه ضمن المجموعة التي تضم سوريا والعراق واليمن وليبيا، فالمعارك الدائرة بين الجيش المصري والارهابيين في سيناء (تنظيم ولاية سيناء المبايع لداعش) معارك شرسة حقق الجيش المصري تقدما بارزا خلال الاشهر الاخيرة بعد نجاحه تطهير مساحات كبيرة كانت تعتبر ملاجئ للارهابيين ومراكز انطلاقهم للعمليات الإرهابية وأوقع في صفوفهم مئات القتلى والجرحى، بالإضافة إلى اعتقال المئات الذين يمثلون حاليا أمام القضاء، لكن هذا الأمر أدى إلى محاولة الإرهابيين تخفيف الضغط عنهم في شمال سيناء بالقيام ببعض العمليات الإرهابية في محافظتي القاهرة والجيزة، كان آخرها تفجير الكنيسة البطرسية الذي ذهب ضحيته اكثر من 100 شهيد وجريح، وذلك بهدف أو بمحاولة تشتيت الجهود الأمنية والعسكرية لدى الجيش المصري وباقي القوات الأمنية المشاركة بعملية دم الشهيد الجارية في سيناء والتي دخلت مرحلتها الثالثة، بالتوازي مع إبقاء حالة الطوارئ المعمول بها منذ أشهر بهدف تسريع وتسهيل العمليات الأمنية الجارية.
وفي ظل هذه التطورات في مصر، نجحت المملكة العربية السعودية وبشكل لافت بتوجيه اكثر من ضربة استباقية للارهابيين، وافشلت العديد من الهجمات التي كان من المنوي القيام بها، مما انقذ حياة مئات وربما الاف المواطنين السعوديين والمقيمين خصوصا بعد ضرب مخطط تفجير ملعب الجوهرة.
واليد الإرهابية لم تستطع الوصول إلى المنطقة العربية فقط وتنفذ إجرامها، بل استطاعت اختراق الإجراءات الأمنية الأوروبية والأمريكية من خلال الذئاب المنفردة التي ركز عليها تنظيم داعش من خلال إصداراته الأخيرة، في محاولة ايضا لتشتيت الجهود الدولية في الحرب على الإرهاب، مع الإشارة إلى أن إلصاق صفة المنطقة العربية بعدم الأمان بسبب التهديدات الإرهابية ظالم جدا، فهذه الذئاب والخلايا العنقودية التي يتحرك الإرهابيون من خلالها من الصعب تتبعها وكشفها، وربما تكرار العمليات الإرهابية خير دليل على هذا الكلام.
وهنا لا بد من التوقف عند الانتشار الإيراني اللافت في المنطقة، والذي أدى إلى سيطرة ايران على لبنان بشكل شبه كامل ونفس الأمر بالنسبة لسوريا والعراق، مما فتح الباب لإيران للوصول عبر الطرق البرية من حدودها الى البحر الأبيض المتوسط مرورا بالعراق وسوريا، مما سيتيح لها بان تحتل موقعا متميزا بين لاعبي المنطقة الاساسيين شئنا ام ابينا، وربما السبب باختصار يعود الى بعض الرهانات العربية الخاطئة التي استطاعت ايران التسلل من خلالها الى الأروقة السياسية والعسكرية ومد أذرع الحرس الثوري الإيراني العسكرية بحجة مكافحة الارهاب متمثلا بتنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات المبايعة لها، وبالتالي فإن المشكلة التي ستشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة لا تنحصر بداعش كونه بدا مرحلة النهاية بل بالانتشار الايراني اللافت، خصوصا أن شركات الحرس الثوري الايراني استطاعت الامتداد بشكل لافت في العراق وسوريا ولبنان ووضع ايد على العديد من المقومات الاقتصادية والصناعات وصولا إلى إنشاء الحزام الطائفي المحيط بدمشق بعد تهجير ابناء الطائفة السنية منها.
ويبدو أن الملف الإيراني سيكون على رأس اولويات الفترة المقبلة مع العام 2017 بعد وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، والمعروف عنه معارضته الشديدة للاتفاق مع ايران بالإضافة إلى استقطابه الصقور من قيادات البنتاجون المعارضين اللدودين للاتفاق مع ايران، وبالتالي سيكون وقف المد الايراني بل قلب الاوضاع راسا على عقب من اهم الاحداث المنتظرة قريبا، وهو امر تتفق معه الولايات المتحدة مع العديد من الدول الغربية والعربية على حد سواء.