قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

وجاء يوم الصبر والصابرة والغائب قسرا

×

يوم الخامس من هذا الشهر يوم محفور فى قلبى بكل معانى الألم والجرح الغائر الذى لم ولن يشفى، وسيظل معى حتى أغادر دنيانا. فكل جروح الفقد والفقدان يداويها الزمان إلا فقد الأبناء، يزيدها الزمان وجعا وألما وحزنا ليؤكد لك أن أعظم ابتلاء فى الدنيا هو الابتلاء فى أبنائنا.

فحتى ابتلاءنا بآبائنا تهونه الأيام ونتعامل معه على أنه طبيعة سير الدنيا ودورتها الطبيعية، أن نذهب بأهالينا إلى القبور، ولكن أن توارى ابنك الثرى، فهنا الألم الذى لا يضاهيه ألم وهنا الحزن الذى لا يوازيه حزن.

أذكر هذا اليوم جيدا وكأنه بالأمس وليس منذ ثمانى سنوات جسام فقد كان يوم جمعة، واتصل ابنى البكر وفقيدى "أمجد "من الإسماعيلية حيث كان يشارك فى دورة ألعاب البحر المتوسط للكاراتيه تلك الرياضة التى اختارها وعشقها.

وللمرة الأولى فى تاريخ لعبه الذى بدأه منذ ان كان فى الرابعة من عمره لم اذهب معه الى حيث كانت البطولة ،فقد اصر ابيه على الااذهب بزعم اننى بهذه الطريقة لن اخلق منهم رجالا، يقصد هو واخيه "ايمن" الذى كان ايضا مشاركا فى هذه الدورة الرياضية .وفى هذا اليوم صحوت على اتصاله وكلامه الجميل وتأكيده على جملة واحدة وحيدة انه يحبنى ويشتاق لى ويتمنى ان يرانى .ولم اكن من الذكاء بأن أفهم انه يودعنى ، وعليه فحولت كل عباراته الى هزار واكدت له ان مايفصلنى عنه ساعات قليلة وان العودة فى الغد وسنعوض معا الايام القليلة التى ابتعدنا فيها عن بعضنا البعض، وانتهت المكالمة وانتهى كل شىء ،ووقعت صورته من مكانها مرتان ،وانا اعيدها وتقع مرة اخرى، وفى قلبى من يجسم عليه، وفى صدرى ضيق لاادرى سببه، الى ان جاءنى اتصال من صديقة غير مطمئن جعلنى اجرى، وورائى ابن اخى الوحيد محاولا ان يهدىء من روعى، الا اننى كنت اشعر بمصيبة تنتظرنى .وذهبت الى الاسماعيلية وانا ادعو الله ان يكذب احاسيسى ويكون ابنى امجد مصاب فقط ايا كانت الاصابة؛ ولكن كان احساسى صائبا فقد مات ابنى البكر، ثمرة عمرى واول من قال لى ماما ،مات وعمره ستة عشر عاما وخمسة اشهر وخمس ايام .مات بلا مقدمات، وأخذ منى أخذا ،تركنى روحا ولكنه اختزلنى حبا وحنينا.

أصررت أن أدخل حيث يرقد جثمانه، وواجهت الكل حتى أقرب الناس وطلبت أن أدخل بمفردى فلا أحد له حق أن يراه فى هذه الحالة إلا أنا "حبيبته" كما كان يسمينى .وكم كان جميلا حيا وميتا نفس الابتسامة التى لم تكن تفارقه حتى وهو حزين، قبلته، ودعوت له، وقلت له كل ما حرمنى البعد عنه من قوله، وبقيت معه فى عربة الإسعاف حتى وصلنا الى مسقط راس عائلة ابيه حيث المدافن والفناء .ونمت بجواره طوال الليل حتى حل الصباح الحزين وجاءوا ليأخذوه منى الى مثواه الاخير ،واحتضنته نفس الحضن الذى شعرت انه يبادلنى اياه، ومشيت وراءهم حتى وصلنا الى حيث اللاعودة ....وتركته وانا راضية بقضاء الله مسلمة به.

والآن وبعد مرور ثمانى سنوات انظر حولى على أراه، أشتم ملابسه علها تخبرنى عما هو فيه، أتحدث إلى أصدقائه وأسمع منهم ما يحكوه عنه وعن حلو كلامه وأدبه، واسأل عنه مدرسيه ومعلميه فن الكاراتيه فيقسمون بالله أنه كان ملاكا وليس إنسانا.

أحيان كثيرة استشعره، واحتضنه، وأحكى له، وأسمع منه، وأوقات أكثر أراه رؤى العين. وفى أوقات حزنى ،وضعفى، وقهرى، يأتينى فى منامى يشد أزرى ويقوى عزمى .فى ايام مرت بى بها مزيج من كل انواع المشاعر، واذا بى اراه امامى ،فخورا بى، ممسكا بيدى بقوة ،حاضنا اياى بعز وكرامة، شامها رأسه لاننى امه.ولكنه لايتكلم ،فقط سعيد بى، وفى اوقات كثيرة اجده فى مكان جميل، واسع مترامى الاطراف، يشير لى ان كل هذا الاتساع ملكنا انا وهو ،واجرى اليه وهو يسعد بخطواتى له الا اننى اجدنى اجرى ولااجده امامى، فاصحو حزينة لاننى لم اصل اليه...ثمانى سنوات مضت على فراقك ياامجد حدث فيهن الكثير ولكن ثبت لدى اننى اصبحت منذ فراقك انتظر لقاءك..