في كل المشرق بل معظم العالم ظلت الطوائف محتفظة بسماتها مختلفة في طبائعها يعرفها الناس من الملامح الزي، العادات، اللون، طبيعة السلوكيات والمواقف ...وفي معظم العالم ظل الاختلاف مولدا للتشاحن والتباغض..حتى حفظ لنا التاريخ قبل عهود الحداثة وأفكار التعايش ما عُرف بالجيتو وهي حارات مغلقة يسكن فيها المجتمعون على دين أو مذهب أو طائفة أو عرق يتمايز عن باقي السكان..
حولنا نسمع عن البربر ولا يزالون يتميزون عن غيرهم ويعتدون بأصولهم وينفرون عمن سواهم .. وقريب منا الكرد لهم ذات الصفات وبعض المطالب ويرفضون أن يذوبوا في محيطهم .. وفي لبنان تعيش الطوائف معتزة بنفسها بما أنها طوائف حريصة عن تمايزها وتميزها ..
ويبقى هذا الوطن المصري أيقونة تنصهر فيه الأعراق واللغات والديانات والمذاهب .. فلا يبقى في كل ما حولك غير هوية مصرية خالصة غير مخلوطة بغيرها ..
الوطن المنتج للتاريخ والذي قدمه للعالم لا يملك الساكن فيه الفرار من رسم ملامح مصريته فلا كردي هنا يبقى ولا درزي هنا يستمر ولا طائفية هنا تزدهر ولا عرق هنا يتميز ولا طباع هنا بين مسلم ومسيحي تختلف ...الكل نسيج واحد ..
لا تملك القدرة وأنت بين الأسواق الشعبية أو عمق الريف المصري أن تعرف الفرق بين أم جرجس وأم فاطمة .. ولا تستطيع أن تميز بين محمد ومجدي ... نفس الزي العادات التقاليد السلوك والتعامل اللسان اللهجة الخلفية التاريخية الصانعة للقيم السائدة ...
فنفس العيب يحذره الجميع ونفس الواجب ينشأ عليه الكل ...
إنها مصر التي تصهر الطوائف وتصيغها بطبيعتها فلا تبقي للطائفية سبيلا للبقاء والبيوت مفتوحة على بعضها وتطل الشبابيك على التاريخ فلا يدخل إلا هواؤه الذى يصنع المصري جنوب اسوان بنفس الكيفية التي يصنع بها المصري في مطروح أو سيناء أو دمياط في أقصى الشمال ...!
تذوب كل الفوارق وتبقى المصرية جامعة خصال وصفات واصالة تصبغ هذا الشعب وتجعل منه وحدة واحدة بلا فرق أو فوارق في الحقوق والواجبات والصفات والسمات ..
وعليه نؤكد أنه لا يوجد ما يسمونه قضية النوبة أو شعب النوبة أو حقوق النوبة .. فما هي إلا مسميات اسموها من أجل لثم جدار الوطن بإنشاء تكتل عرقي معين ينفذ منه المتربصون بأجنداتهم لخلخلة الاستقرار ويكون رأس تبة تطل منها من جديد قوى الاستعمار أو أصدقاؤها من الأشرار الإقليميين في المنطقة ..
وإلا لو كان هناك حقوق لفئة معينة من الشعب نتيجة لمشاريع خاصة بالوطن نزعت الأراضي أو كوارث حلت بالوطن هدمت المباني لأصبح لمدن القناه قضية ... وأهل سيناء قضايا .. وسكان الإسكندرية مطالب ومن نزحوا إلى القاهرة مشاجب ..!!
مصر مليون كيلومتر مربع يتساوى جميع سكانها في بسط حقوقهم على كامل أرضها ليس هناك ما يعرف بأرض النوبة أو أرض القاهرة ...أو مناطق مخصوصة بصيغة ما لطبقة أو نوعية من البشر.
نحن في وطن تاريخي .. يحمي شماله سكان اسوان ويموت على حده الجنوبي سكان حلوان .. ويفدي رمال سيناء سكان الوادي ويحرس حدوده الغربية كل القادمين شرقا من سكان البوادي.
لا شيء مطلقا يسمى بقضية النوبة ولا غيرها من القضايا الشيء المطلوب الآن هو تنفيذ سياسة تتسم بالعدالة وتسعى للعمل على تنمية المناطق المحرومة بوضعها على خارطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وفقا لاحتياجاتها ..
وما يحتاجه سكان أسوان وجنوبها حتى الحدود من الرعاية والتنمية هو حق يجب أن تحرص عليه الدولة وهو أيضا حق لكل مصري محرومة منطقته من التنمية ..
فالحق في السكن، في العمل، في العلاج، في الاستقرار هو حق لكل مواطن وفقا للدستور يحصل عليه الأسواني كما الاسكندراني والسيناوي كما الفيومي ..
أما سعي البعض لافتعال قضية ومنحها صفة مظلومية والدفع بها في مواجهة الدولة وقد خان من قبل بها الوطن من خرج للتدويل والتدوير في دهاليز المؤامرات الدولية فلا يمكن أن يكون مقبولا عنوانا يتم هكذا تداوله ...!
طالب بحقوقك مهما تكن هذه الحقوق بصفتك مصريا ومصريا فقط .. هنا تؤازرك الجغرافيا ويحميك التاريخ وتسعى لك ومعك كل الأمة المصرية لجلب حق تأخر ورد باطل تغول .
أما اللعب بوحدة الوطن وتماسكه الداخلي فليس إلا نوعا من الأذى لم تعرفه مصر الممتد تاريخها ولن تعرفه اليوم ولا لحظة بمستقبلها .... ليفهم الرسالة كل المغامرين في أسواق خاسرة .... رفعت الأقلام وجفت عن حدود الوطن التاريخي الصحف وسكت الكلام .