بات الجميع يتكلم في هذه الفترة عن التواجد الإيراني في سوريا وعن السيطرة شبه الكاملة للحرس الثوري الإيراني على مفاصل سورية عدة، مرجعين السبب للأحداث التي بدأت العام 2011، على اعتبار أن إيران استغلت حاجة سوريا للدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، إلا أن الأمر أعمق من هذا الكلام، فالدخول الإيراني لسوريا بدأ منذ أكثر من عقدين عن طريق البوابة الناعمة، أي الاقتصاد.
فإيران لها أطماعها في المنطقة، وهو أمر لا تخفيه إطلاقا، وبدأت منذ الإعلان عن تأسيس الجمهورية الإسلامية الترويج لمبدأ تصدير الثورة، وظن الجميع أن الأمر يقتصر على إنشاء مجموعات تابعة للحرس الثوري على شاكلة حزب الله اللبناني وفروعه العربية والخليجية، إلا أن القيادة الإيرانية، التي يبدو أنها تلاعبت بالجميع، دخلت من الباب الخلفي وهو باب الاقتصاد، ونشرت آلاف الشركات لتكون جزءا أساسيا من اقتصاد المن.
وقبل الدخول إلى الوضع السوري، لا بد من الإشارة إلى استحواذ الحرس الثوري على جميع الشركات الأساسية في إيران كشركات التعدين والتنقيب والنفط والكهرباء والإنشاء والاتصالات والتصنيع الخفيف والثقيل وإنشاء آلاف الشركات التابعة فتنتشر وتستحوذ وتحقق الأرباح الطائلة.
ومن هنا بدأ إلقاء الطعم للحكومات السورية المتعاقبة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وطبعا بعد اتخاذ القرار السياسي بدأت الاتفاقيات المشتركة بالظهور، والتي كانت تشمل جميع القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والمالية دون استثناء، ومنذ العام 1998 وحتى الآن ارتبطت الشركات الإيرانية بالاقتصاد السوري بشكل وثيق، أو بالأحرى جرى رهن الاقتصاد السوري للشركات الإيرانية، وباتت جميع القطاعات تعمل من خلال التمويل الإيراني أو الخبراء الإيرانيين وصولا إلى المصانع والمعامل الثقيلة وتجميع السيارات.
فالوجود الإيراني في سوريا له ثمن، ومن الواضح أنه باهظ جدا، وسيدفع الاقتصاد السوري الثمن باهظا بعد الحرب وبدء عملية إعادة الإعمار مع وجود مئات الشركات الإيرانية التي تم التعاقد معها منذ الآن لتنفيذ أعمال البنية التحتية وإعادة إعمار بعض المدن والبلدات والقرى، حتى إن بعض هذه الأعمال بدأ بالفعل في دمشق والقلمون، حيث يلاحظ قيام عدة مناطق سكنية على رغم الأوضاع الأمنية السيئة جدا في أكثر من منطقة سورية.
ولتسهيل عمل الشركات الإيرانية، جرى تعديل بعض القوانين المتعلقة بالاستثمار الأجنبي، بالإضافة إلى إشراك بعض الشركات السورية المملوكة من بعض النافذين بالعمليات الجارية واستحداث شراكات بنسب ضئيلة جدا، وبالتزامن مع هذا الانتشار المالي، نقلت إيران آلاف الإيرانيين والأفغان المقيمين في إيران للسكن في العديد من المناطق لتأمين قاعدة سكانية تحمي وتساند هذا الوجود.
للأسف، فإن ما يجري والسيطرة شبه الكاملة لإيران على مقدرات الاقتصاد السوري لم يكن سيحصل لولا البعد العربي عن سوريا، واتباع سياسة النبذ دفعت سوريا إلى اللجوء إلى التمويل الإيراني لإبقاء عجلة الاقتصاد دائرة، علما أن مصر ربما تكون الدولة الوحيدة التي تسير حاليا ضد التيار وتحاول إبعاد شبح السيطرة الإيرانية الكاملة من خلال إعادة سوريا شيئا فشيئا عبر الدبلوماسية الناعمة، على أمل أن تصحو بقية الدول العربية لتدارك الخطأ ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه.
وللحديث تتمة..