كنت فى بداية عملى وأنا فى ندوة من ندوات قامة علمية وأدبية رحمها الله استمع لماقاله لى بعد انتهاء الندوة، وعندما شكوت إليه أن المنافقين هم المقربون من أصحاب القرار وأن المحسوبية، والرشوة ،مفاتيح للترقى والشهرة .وأننى لاأملك إلا شهادتى وأخلاقى وهما لايفتحون لى أبواب المجد والشهرة على الرغم من اعتراف الكل بأننى مجتهدة وتلميح بعضهم بأننى جميلة.
ويضحك أستاذى رحمه الله، ويقص لى قصة كانت هى نبراس عمره وعمله ووجهته فيقول..كنت فى بلد أوروبى استكمل التعليم العالى وتحديدا أسجل للحصول على الدكتوراه التى كانت أملى لاستكمال ما بدأته من بكالوريوس وماجستير ، ودفعت الرسوم وكانت تقترب من ال400 دولار ولم أكن أملك المبلغ تحديدا ولم يكن لديهم الفكه وأنا لم يكن لدى الوقت فأخذت الايصال ولم اهتم بالباقى ومشيت.
ولأن الدراسة كانت ستبدأ بعد أكثر من شهر فعدت الى بلدى مصر وبعد أسبوع بالتمام وصلنى خطاب مسجل يحتوى على شيك بقيمة ماتبقى مع اعتذار منهم وكلمات جميلة توصينى بقبول اعتذارهم..واندهشت إذ أن تكلفة الخطاب وطابع البريد أكثر من المبلغ المرسل إلى، وأصارحك أننى سخرت من هؤلاء الناس وفسرت سلوكهم بأنه منظره فاضية .
وبعد ذلك عدت إلى بلد الدراسة، وكل يوم أجد مواقف ومفارقات تجعلنى أمحو محوا ماسجلته فى ذاكرتى عن واقعة الخطاب ،وأجدهم أخلاقا تمشى على الأرض، وأتصادف مع موقف أكثر تأثيرا فى وهو أننى كنت شابا وحيدا لايخدمنى أحد ،فكنت اشترى مايلزمنى من محل قريب من منزلى ،وكنت اهوى زبدة الكاكاو ،فمن حين لآخر اشترى عبوة وكانت بأقل من العشرين دولارا باثنين .وفى يوم وجدت البائعة تضع نفس مااشتريه ب18 دولارا على رف ونفس النوع على رف آخر ولكنه ب20 دولارا فاستفسرت منها؛ فاجابت بان النوع الاول هو نفس الثانى ولكنه الاول باقى قبل ارتفاع السعر الذى حددته الجهات المستوردة.
وهنا نظرت اليها وكلى فخرى وقلت؛: ياستى حطيهم مع بعض وبيعى بعشرين، ادام همه نفس المنتج ونفس الصلاحية ونفس المكونات؛ وساعتها رأيت ملامح أخرى غير التى اعتدتها. ورأيتها تقترب منى وتطلب منى أن اقترب منها أكثر وهمست فى أذنى بكلمة سحقتنى وهزمتنى وقالت لى "انت حرامى"؟؟.ولم ارد ولكنى تمنيت ساعتها ان تبتلعنى الارض .هذه السيدة لقنتنى درسا دينيا بحتا وهو ماقاله الرسول "من غشنا فليس منا ".هذه المرأة التى نقول فى بلادنا انها كافرة علمتنى مبادىء دينى التى غبت عنها.
هل تستوعبين معنى انهم يعاملون الله وكأنه أمامهم يراهم ويحاسبهم .هل تدركين اثر ذلك فى مجتمعاتهم وفى طريقة معيشتهم وفى تعاملهم مع بعضهم البعض.هل تعلمى أن هذه القيمة هى أساس بنيان مجتمعاتهم وهى التى جعلتهم متقدمين فى عملهم وعلمهم.
ببساطة ..لاتسرق..لاتكذب ..لاتغش ..لاتخون..كن إنسانا ..كن مؤمنا ..كل هذه المفردات وغيرها اندرجت من تساؤلها لى "أنت حرامى؟"..وعليه ياابنتى لاتهابى من أى شىء ولاتكترثى لمنصب أو لدرجة أو للتقرب لأهل الزيف ولا أن تكونى على حساب استغلال جمالك أو حسبك أو نسبك أو مالك.
فقط كونى أنتى ولاتكونى حرامية..أتذكر هذه الواقعة وأنا الآن أسير على نهجها لم أحظ بمنصب ولابمال وكنت أكثر المبتلين فى أقرب الناس لى ولكنى راضية عن نفسى محبة الكل ووقوفهم جنبى ليكونوا لى أقرب ممن كنت اظنهم سندا ودعما ويتأكد لى التزامى بما رسبه فى نفسى المعلم الراحل ؛فأنا لم أكن ولن أكون حرامية ..أتذكر كلمات العبقرى الدكتور إبراهيم الفقى رحمه الله. وأنا أرى آثار عباراته موجودة وبشدة فى كل ركن من أركان مجتمعنا، أراها سببا وأساسا لكل مانعانى منه من فقر وجهل وتخلف ورجوع إلى الوراء .
أرى الكذابين والحرامية يزدادون غنا على حساب الصادقين .أرى أصحاب القلوب البيضاء والأيادى الشريفة منبوذين فى العراء .وأرى كل من يسعى من أجل الحق مجهدا مغضوبا عليه .أرى مصر تصرخ وتطلب عودة الصادقين وأراها تمسح بيد رقيقة على رؤوس الشرفاء حتى يتحملوا قسوة وجبروت الظالمين..أرى بلدى تطلب وتطالب أن ينهض كل الصالحين ليقضوا على السارقين..أرانى وأرى كل مصرى يمسك بيد الحق من أجل ألا نكون حراميين.!!!!!!