فيروز

من لم يستمع إلى صوت فيروز الملائكي صباحًا فوت عليه فرصة كبيرة لمعرفة حقيقة ألوان الصباح، والانتعاش الحقيقي لطعم رشفات الصبح الباردة المنعشة، وحرم نفسه من طعم القهوة الصباحية الحقيقي الذي لا يكتمل دون هذا الصوت الذي يسري في الجسم ليصبح مهيئا لاستقبال اليوم الجديد بافراحه وعذاباته.

أجيال كثيرة تعاطت مع فيروز، صاحبة الصوت الفيروزي المطعم بالنكهة اللبنانية، تعاطت معها صباحا، كما تعاطت معها ليلا، تعاطت معها في زمن السلم، وتعاطت معها في زمن الحرب، وكم من المرات كان لهذا الصوت الملائكي دوره في تهدئة نفوس العائلات القابعة تحت جحيم نيران صواريخ البغض والكراهية، لتشغل مساحة كبيرة في النفوس تملئها بالامل والفرح والحب والحرية.

في لبنان قلما كنت تجد بيتا لا يبدأ يومه بصوت رفيقة الرحابنة، ونادرا ما تكتمل جلسة الصباح لشرب القهوة الا وتكون خلفية احاديث النميمة الصباحية والحديث عن عمل اليوم صوت فيروز، كان صوتها يصاحب الذاهبين الى اعمالهم بدءا من الفلاح وصولا الى الوزير، فكلامها كان من القلب ليصل الى القلوب جميعها.

اقول كان وكان، لان الاحوال تغيرت كثيرا اليوم، وليست فيروز التي تغيرت، ففيروز سيدة الوادي واميرة الجبال لا تزال فيروز، لم تتغير طوال العقود الماضية، لكن نحن الذين تغيرنا، توحشنا، عدنا الى الوراء، اعادتنا عقولنا الغبية الى الجاهلية، فحرمَنا الغناء ومنعنا الفرح، لكن يكفي ان نقول (كما قال احد الاصدقاء من عشاق فيروز) ان صوت فيروز وحده كفيل بالتاكيد على ان الغناء ليس حراما بل هو حلال زلال.

نحتاج للعودة إلى زمن فيروز الجميل، زمن عاصي والياس الرحباني، ونصري شمس الدين وفليمون وهبي، نحتاج لزمن محمد عبدالوهاب وعبد الحليم وأم كلثوم، وقتها لم يكن للإرهاب مكان بيننا، كانت العقول محصنة، بعيدة عن خزعبلات التكفيريين المتاسلمين المتعطشين للدماء، وقتها كنا نسعى للحب والفرح والعمل، باختصار كنا وقتها يسعى كل منا ليكون انسان...

في عيد ميلادك يا أميرة القلوب تحية لك من قلوب عطشى للصوت الملائكي ...

وللحديث تتمة ...