ارمي الشوكة والسكينة وإنزل على طبلية الست منى

حضرت الإسبوع الماضي مؤتمرين، اشتركا في محور حديث واحد، ألا وهو "تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة"، لكن لكل مؤتمر أسلوب وأداوات في تناول الموضوع.
المؤتمر الاول تناول تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة من جانب وجهة نظر روادها، ووفقًا لمتطلباتهم، وتنقل ما بين أهمية تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة سواء على المستوى المحلي أو العربي والأفريقي أيضًا، وركز اهتمامه على دور المرأة المصرية والعربية والأفريقية في تنمية تلك المشروعات، وكيف يمكن أن تكون تلك المشروعات أداة للخروج من دائرة الفقر، فخرج المؤتمر يحمل طابع التوعية المجتمعية، ويرشد رائدات الأعمال عن أفضل الطرق التي يمكن أن يسلكوها للوصول إلى غايتهم المتمثلة في تنمية مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة.
أما المؤتمر الثاني الذي شرفت بحضوره أيضًا، فجاء ليعرض خطوات الحكومة في تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب عرض وجهات النظر المتبادلة ما بين رجال الأعمال والحكومة حول سبل تحقيق التنمية لتلك المشروعات، ولا أنكر أن تلك الخطوات أسعدتني كثيرًا.
وعقب المؤتمر الثاني دار نقاش جانبي مع أحد رجال الأعمال، الذي تفاخر بأنه قد بدأ طريقه من الصفر، وتبدلت سعادتي في لمح البصر، عقب هذا الحوار، والسبب في ذلك التحول، هو ما سرده.
فأكد هذا الشخص على أنه من واقع تجربته الشخصية أن بيئة تنمية المشروعات في مصر برمتها تعتبر بيئة غير مشجعة على التنمية بشكل عام، فرأى أن تلك الشعارات التي تتحدث عن تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ما هي إلا شعارات رنانة، يتم إطلاقها لزوم الشو الإعلامي، إلا إن لحظة التنمية الفعلية تصطدم بكم من الإجراءات المعوقة لمجرد خروج أي مشروع إلى النور، وليس تنميته.
فهذا الرجل اتهمنا إننا نعمل من داخل مكاتب مكيفة، لا نعلم شيئا عن الواقع، وحكي لي قصة دخوله إلى عالم المال، والتي بدأها من سوق الخضار، يذهب إلى التاجر ليأخذ منه قفص من نوع معين من الخضروات، ليبيعه، ويأتي له ثاني يوم، وهكذا، إلى ان اكتسب ثقة هذا التاجر، والقفص أصبح قفصان، والقفصان ثلاثة، وهكذا إلى أن رغب في تحويل نشاطه إلى النشاط الرسمي، وهنا اصطدم بكم الإجراءات والتراخيص والأموال اللازمة، كي يخرج مشروعه إلى النور، ولكنه أصر على أن يأخذ مكانته الصحيحة، ولكن كم من الأفراد لديه تلك الحماسة والإصرار.
وبعد دخوله عالم المال اتسعت دائرة نشاطاته لتنتقل من المحلية إلى العالمية، واتسعت دائرة معارفه في ذات الوقت، وذكر لي أن إمكانيات الشباب في مصر مهدرة، ونحن بإمكاننا أن نصل إلى مرتبة أعلى من ذلك بكثير، لولا تلك الإجراءات العقيمة، وضرب مثلًا في ذلك بأن أحد معارفه من دولة الصين الشقيق يقوم بافتتاح مصنع كل عام، في حين أنه قد عانى الأمرين كي يفتتح مصنع واحد في مصر!!!، فلماذا السكوت على هذا الوضع الذي يمكن تحسينه بكل سهولة!!!.
وبعد هذا الحوار الذي كان بمثابة الإفاقة.
أدركت أننا نعمل بالفعل في ذات الدائرة المغلقة منذ حوالي عشرين عامًا، نُصر إصرارًا على أن نتحدث بلغة لا يفهمها من نريد أن نصل برسائلنا إليهم.
الرجل ذكر لي أنه قد بدأ من سوق الخضار، فهل لغة المعونة الكندية - وما على شاكلتها – من معونات تسيطر على تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر منذ حوالي عشرين عامًا، بمطبوعاتها الملونة، وكوادرها من خريجي الجامعة الأمريكية أو ما شابه، قادرة على الوصول إلى تلك الفئة التي تعمل بالفعل في مجال العمل الحر أو من المتوقع أن تتجه إليه.
فنحن ندور في ذات الفلك، نعيد اجترار معلوماتنا السابقة، دون أن نأتي بجديد، ونلجأ إلى ذات الأشخاص، لنمنحهم ذات المهام، التي تولوها منذ عشرين عامًا، فلو كان هؤلاء قد نجحوا مسبقًا، لما كان الوضع على ما نحن عليه الآن، فهل سألنا أنفسنا هذا السؤال؟
نحن نريد أن نعلم أن السلم يحتوي على درجات أخرى يمكن صعودها، بخلاف الدرجة الأولى التي نقف عليها ونخشى أن نتركها.
نحن نريد أن نلقي بالشوكة والسكينة التي تحد من تنمية مشروعاتنا، ونلتف حول طبلية الست منى أو من شابهها لنفهم منهم مفهومهم حول المشروعات متناهية الصغر، وما يريدونه ومشاكلهم على أرض الواقع، بدلًا من العمل داخل المكاتب المكيفة التي لا تتناسب مع الفكر المجتمعي.