"حكم قراقوش".. هي جملة شهيرة في التراث الشعبي تناقلها المصريون عبر الأجيال منذ مئات السنين، للإشارة إلى أي شخص متجبر يصر على رأيه سواء كان على صواب أو خطأ أو إلى أي تصرف أو حكم ظالم أو غريب وغير منطقي.
أما "قراقوش" الذي اكتسب شهرة كبيرة عبر السنوات، فهو الأمير "أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي" الملقب بـ"بهاء الدين قراقوش"، والذي عاش في القرن السادس الهجري وقضى قرابة الثلاثين عاما في خدمة "صلاح الدين الأيوبي" ونجليه، كما قيل أنه كان خادما لعمه "أسد الدين شيركوه" لكنه أعتقه؛ وقيل إن "صلاح الدين" عينه نائبا عنه في مصر وفوض إليه أمورها واعتمد عليه في تدبير أحوالها.
وبعد وفاة "صلاح الدين" عام 589 هجريا عمل "قراقوش" في خدمة ابنه الملك "العزيز عثمان" ثم وصيا على ابنه الملك "المنصور محمد" حتى عُزل وتوفى عام 595 هجريا.
لكن "قراقوش" أصبح أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ بسبب أحكامه ومواقفه الغريبة والطريفة التي تناقلتها الأجيال عبر العصور، حيث اشتهر بالظلم والأحكام العرفية وتقلب المزاج وغرابة الأطوار حتى أنه كان يعاقب المظلوم ويكافئ الظالم.
وأورد الكاتب "الأسعد ابن مماتي" في كتاب له بعنوان "الفاشوش في حكم قراقوش" مجموعة من طرائف وعجائب "قراقوش"؛ وقال عنه في مقدمة كتابه: "لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش مخرمة فاشوش، قد أتلف الأمة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدي بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، والشكية عنده لمن سبق، لا يهتدي لمن صدق، ولا يقدر أحد من عظم منزلته، أن يرد على كلمته، ويشتط اشتطاط الشيطان، ويحكم حكما ما أنزل الله به من سلطان، صنفت هذا الكتاب لصلاح الدين، عسى أن يريح منه المسلمين".
وفيما يلي رصد لأبرز نوادر وطرائف "قراقوش" التي وردت في ذلك الكتاب:
1. المرأة الحجازية والجارية التركية:
كان "قراقوش" يميل إلى البيض ويكره السود، وذات يوم اضطرته الظروف إلى الحكم بين امرأة حجازية وجاريتها التركية، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يحكم فيها؛ فقالت الحجازية لـ"قراقوش": "إن هذه جاريتي قد أساءت الأدب على".. فنظر إلى بياض الجارية التركية وسواد الحجازية، وقال للحجازية: "ويلك خلق الله جارية تركية لجارية سوداء حجازية ما أنا أحمق أو مغفل".
وبعد ذلك أمر جنوده باحتجاز الحجازية، لتقضي في الحجز شهرا، وبعد ذلك عادت إلى "قراقوش" وأخبرته أنها اعتقت الجارية، لكن الأخير قال لها: "إنها هي (أي الجارية) التي تعتقك فأنك جاريتها وأن ارادت أن تبيعك فأنها تبيعك، وأن ارادت أن تعتقك فأنها تعتقك، فطلبت الحجازية من الجارية أن تذهب للحاكم وتخبرها أنها اعتقت سيدتها وبالفعل استجابت لها الجارية وأمر "قراقوش" بالعفو عن الحجازية.
2. قيل إن "قراقوش" دخل في سباق مع رجل بفرسه، فسبقه الرجل، فأقسم "قراقوش" ألا يعلف فرسه لمدة ثلاثة أيام، فقال له السائس أنه يخشى أن يموت الفرس، فرد عليه "قراقوش" قائلا: "احلف لي أنك إذا علفته لا تعلمه أنني دريت بذلك"، فأقسم له السائس وأطعم الفرس.
3. ومن بين ما قيل عن "قراقوش" أيضا أنه لم يكن يعرف الفرق بين الشعر والقرآن، حتى أن رجلا جاء إلى "قراقوش" ومدحه بقصيدة وأنشدها بصوت طيب فقال له "قراقوش": "يا مقرئ لقد قرأت قراءة طيبة".
4. رُوي عن "قراقوش" أنه نشر قميصه، فوقع القميص من على الحبل، فلما بلغه ذلك تصدق بألف درهم، وقال: "لو كنت لابسا هذا القميص وقت وقوعه لانكسرت".
5. وذات مرة نزل جندي إلى مركب وكان به فلاح وزوجته، وكانت الزوجة حاملا في سبعة أشهر، وضربها الجندي ففقدت جنينها، فذهب الفلاح إلى "قراقوش" يشكو إليه الجندي، فقال الأمير للجندي: "خذ زوجة الفلاح عندك واطعمها واسقيها حتى تصير في شهرها السابع، ثم أعدها إلى زوجها؛ فقال الفلاح:" يا مولاي تركت أجري على الله" ثم أخذ زوجته وذهب.
6. كان "قراقوش" يمتلك صقرا يعتز به، لكن الصقر طار من عنده ذات يوم وعندما علم بذلك أمر بإغلاق جميع أبواب المدينة حتى لا يجد الصقر مكانا فيعود إليه.
7. دخل رجلان على "قراقوش" وادعى أحدهما على الآخر أنه عض أذنه، فسأل "قراقوش" المدعي عليه عن حقيقة ذلك الأمر، فرد قائلا إن المدعي هو الذي عض أذنه بنفسه؛ فحاول "قراقوش" ان يعض أذنه بنفسه لكنه لم يفلح وسقط من على الكرسي الذي كان جالسا عليه خلال محاولاته فأنكسرت يده، فأمر بضرب المدعي عليه وقال له: "أنت الذي عضيت أذن هذا الرجل وكسرت ذراعي زيادة على ذلك".
8. ذات يوم جاء إلى "قراقوش" شاب تعرض للضرب ليشكو له الشخص الذي ضربه، فأرسل معه خمسة من الحراس، وعندما علم الجاني بذلك سارع ووقف بجانب "قراقوش"، ولما أقبل الضحية قال المعتدي متحدثا عن الضحية: "هذا الذي قتلني وضربني"، فقام "قراقوش" بضرب الشاب المظلوم وبطحه حتى كاد يلقى حتفه وهو يقول إنه مظلوم، فقال له "قراقوش": "لقد سبقك"؛ فحلف الناس ألا يمكثون في المدينة مادام "قراقوش" حاكمها.
9. جاءت الشرطة لـ"قراقوش" بغلام كان يعمل عنده حداد، متهما بجريمة قتل، فأمر بشنقه، فقيل له: "إنه حدادك الذي ينعل لك الفرس، فنظر "قراقوش" ناحية بابه فوجد رجلا يعمل كصانع أقفاص فقال: "ليس لنا بهذا القفاص حاجة، اشنقوا القفاص واتركوا الحداد لكي ينعل لنا الفرس".
10. يحكى أن دائنا اشتكى للحاكم مماطلة غريمه في دفع الدين، فقال المديون لـ"قراقوش": "يا مولانا إني رجل فقير، وإذا حصلت شيئا له لا أجده، وإذا صرفته جاء وطالبني"؛ فرد "قراقوش" قائلا: احبسوا صاحب الحق، حتى إذا حصل المديون شيئا يجده ويدفع له"، فتنازل المدين عن حقه ومضى.