الفكرة واحدة .. والهدف واحد .. والأداة واحدة .. والعنوان الكبير الذي يجمعهم وإن اختلفوا في التفاصيل هو العودة للخلافة.. فجميع من انضوا تحت لواء الحركات الاسلامية بمسميات مختلفة حتى الدينية منها .. وادعت أنها لا تعمل بالسياسة فهى في قرارة نفسها تؤمن ايمانا عميقا بفكرة الخلافة .. والاسوأ على الإطلاق ان يكون منهجهم في الوصول لهذا الهدف هو التكفير والأداة هي القتل، ويتم توزيع الأدوار بينهم باقتدار.
فمنذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين في ١٩٢٨ والفكرة التي قامت على أساسها كانت رد فعل على سقوط وتفكك الدولة العثمانية والتصور ان هذه الدولة هي امتداد للخلافة ولابد من العمل لعودتها.
وحتى يتمكن حسن البنّا من بِنَاء الجماعة وتشكيل تنظيم ضخم كان يجب أن يكون مدخله تربويا ودعويا وليس سياسيا ، وعندما تمكن وتأكد انه بني التنظيم بدأ يكشف عن أهدافه الحقيقية، وهي الأهداف السياسية وعند هذه اللحظة ومن قبلها تمكن الإنجليز ببراعة المستعمر ان يكون هذا الرجل وجماعته هو مخلب القط في ظهر هذا الوطن بل والأمة.
وبعيدا عن الدخول في جدليات بحثية توضح التقسيمات المختلفة وتجتهد في توضيح تفريعات الحركة الاسلامية .. وبعيدا أيضا عن تكرار أعذارهم وحجتهم في أسباب لجوء البنّا لتشكيل تنظيم مسلح يحارب به الإنجليز واليهود إلا أن الثابت تاريخيا أن هذه الجماعة اعتمدت منهج الدم للوصول الى مآربها وإن تظاهرت في فترات انها جماعة سلمية.. ثم تدعي في لحظات تاريخية مهمة وعن طريق مؤسسها أنها بريئة مما يفعله التنظيم السري.
فمقتل النقراشي.. وماهر.. والخازندار يعد خير دليل أن هذا الجيل لم يتورع في اعتماد الاغتيالات والقتل أحد اهم الأدوات، وكان الرد على منهج الاغتيالات هو اغتيال البنّا امام مقر جمعية الشبان المسلمين بشارع "رمسيس " "نازلي "سابقا.
فضلا عن أن أداء الجماعة اتسم بالمكيافلية الشديدة التي تخالف صحيح الإسلام الذين يدعون أنه منهجهم، والدليل علاقتهم بإسماعيل صدقي وبفاروق نفسه الذي لم يتردد البنّا لحظة في أن يضعه في صورة خليفة المسلمين، وهو نفس السلوك الذي أنتهجته الجماعة بعد ٢٥ يناير مع المجلس العسكري وتبني خطاب مناصر للمجلس، وأنه من حمى هذا الوطن وتخوين كل من يهتف ضد المجلس العسكري .. لكن هذه اللغة اختلفت بعد ٣٠ يونيو تماما، فعبد الفتاح السيسي الذي اختارته الجماعة وزيرا للدفاع خلفا لطنطاوي وتفاخرت بعزلها لطنطاوي واختيارها للسيسي ذو الأصول الإخوانية، فعمه عباس السيسي الذراع اليمنى لحسن البنّا .. هكذا رددت الجماعة بين الرأي العام انه حافظ للقرآن وأن زوجته محجبة إلا أنه بعد ٣٠ يونيو اختلف الأمر ١٨٠ درجة تماما فأصبح السيسي ذو أصول يهودية مما يعكس لنا جميعا أن هذه الجماعة تتلاعب بالدِّين.
الصدام الكبير
في أعقاب ثورة يوليو طفى على السطح صراع السلطة والرغبة الجامحة لدى الجماعة فإنه الحلم، ولا شك أن هذا اصطدم بأهداف الضباط الأحرار فكانت المواجهة كبيرة وأخذت منحنى خطير بمحاولة اغتيال عبد الناصر .. وبطبيعة الحال لا يمكن ان يعترفوا بما تفعله أيديهم ولكنهم يعتمدون نظرية المؤامرة فيرددون ان حادث المنشية تمثيلية من اخراج عبد الناصر .. وتأجج الصراع بحل الجماعة والقبض على جميع القيادات.
والموجة الأخطر في سنوات التاريخ المصري هي سنوات الستينات وإعدام سيد قطب المنظر الرئيسي لفكر العنف فمعالم في الطريق هو دستور الجماعة والذي يصف قطب فيه المجتمع بالجاهلي ويكفر أي فكرة لا تكون نابعة من الإسلام ويكفر أي شخص يتبنى أي أفكار بخلاف الفكرة الإسلامية، وهذا الفكر كان له تبعات في مواجهة المجتمع ومحاربته مما أدى الى الحكم بالإعدام على سيد قطب.
رحم الإخوان أنجب أبناء كثيرة للفكرة وان كانوا يختلفون في مدى تبنيهم للعنف والدم كطريق لتحقيق حلم الخلافة فخرج شكري مصطفى احد أبناء الجماعة وبالتحديد في ١٩٦٩ ليعلن عن جماعته جماعة المسلمين هكذا سماها والمعروفة إعلاميا بالتكفير والهجرة وتستيقظ مصر في السبعينات على مقتل الشيخ الذهبي على يد هذه الجماعة التي روجت أن السادات وراء الحادث ليتخلص منهم .. نفس العقلية التأمرية تنفذ العمل وتتهم من يناوئها.
الأسماء كثيرة شكري مصطفى، وصالح سرية صاحب تنظيم الفنية العسكرية ، وعبود الرمز، وخالد الإسلامبولي ،وَعَبَد السلام فرج، وعمر عبد الرحمن، وكرم زهدي، وعصام العريان، وأبو العلا ماضي، وَعَبَد المنعم ابو الفتوح ، وخيرت الشاطر ، ومحمود عزت الأسماء كثيرة والطريق واحد فإقامة الخلافة الهدف والتكفير وإراقة الدماء السبيل لتحقيق هذا الهدف.
والآن تظهر الكثير من المسميات التي تحمل السلاح وتتبنى فكرة الاغتيالات والعنف والدم وتجتهد الأبحاث والدراسات في جمع المسميات والشجرة وأفرعها ومحاولة إبراز الخلافات والاختلافات إلا انهم جميعا يحملون لواء العودة للخلافة وقيام الدولة الاسلامية فالانتقاد واحد ومن فكرة واحدة ولا يوجد في تصوري اي مبرر للعنف واستخدام السلاح.
في سنوات السبعينات تخيل السادات انه من الممكن ان تكون جماعة الإخوان المسلمين هي الاداة لضرب صداع الناصرية واليسار في الجامعات فكانت نظرية اتاحة الساحة للجماعات الاسلامية وغيرها من التنظيمات على أمل القضاء على الناصريين ، ولكن السادات تصور أنه يستطيع أن يمسك بكرة اللهب دون أن تصيبه.
وتصور أيضا أن يكون الإخوان نموذج لتحقيق هذا الهدف، إلا ان كرة اللهب ارتدت اليه هو شخصيا وتم اغتياله بعد تكفيره من قبل هذه الجماعات .. ولم يسعفه الوقت أن يتدارك الخطأ الذي ارتكبه واعترف به في خطابه الأخير قبل اغتياله بشهر في ٥ سبتمبر ١٩٨١ ، المدهش إنه على الرغم من الإسلامبولي ووراؤه الجهاد وراء قتل الرجل، إلا أن هناك من أبناء التيارات الإسلامية من ردد أن القاتل هو نائبه.
مبارك ولعبة القط والفأر
من الثابت ان سنوات حكم مبارك لم تسير في علاقتها مع الجماعات الاسلامية على وتيرة واحدة ولكنها اتسمت بموجات للعنف وفترات اخرى من الهدنة ولكن الثابت بالفعل ان الحقيبة المالية لجماعة الاخوان المسلمين امتلئت بشكل مذهل في عهد مبارك وان هناك صفقاتحدثت بالفعل ولكن الاخطر ان الدولة اختفت تماما وتقلص دورها في كثير من مناحي الحياة في التعليم والصحة .. بالإضافة إلى عجزها وفسادها منح الساحة مفروشة بالورود لتغلغل الجماعة التي انتشرت بصورة مذهلة بين أعمار طلاب الجامعة وفي المناطق المهمشة التي لا تقع في تفكير وعقل النظام وهذا لايعني ان التمدد كانت في المناطق الفقيرة لكن في كل الطبقات والمستويات لان الفكر في تصوري ليس مرتبطا بالمادة فالظواهري وبن لادن من عائلات كبيرة وغنية وهذا لا يمنع تبنيهم لهذا الفكر وكثيرا ممن انتموا للفكر الشيوعي أغنياء - وأصبحت الجماعة أمام السلطة ليس مجرد فأر يحاول ضرب القط والإفلات منه ولكنه اصبح حيوانا بريا يصعب التخلص منه.
ولم يكن اتصالات الجماعة بالولايات المتحدة الامريكية ضربا من الخيال ولكنها واقع رأت امريكا انها تتصل بقوة إسلامية معتدلة ولديها زخم وقادرة على الحشد فقد تمكنت الجماعة بالضغط والصفقات من حصد ٨٨ مقعدا في برلمان ٢٠٠٥ ، وبالنسبة للجماعة فهي تتطوق شوقا للسلطة وليس لديها اي مانع من التعاون مع اي جهة او دولة في سبيل تحقيق هذا الهدف ، وليس خافيا علينا لحظة ان الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح كشف عن لقاء قيادات الجماعة بعمر سليمان قبيل تنحي مبارك ، وذلك لعقد صفقة سياسية يكون المقابل انسحاب الجماعة من الميدان ولم يكن فضح الامر هو السبب الوحيد لعدم اكتمال الصفقة ولكن إشارات الخارج وبالأخص امريكا للأخوان بأنهم سيتولون السلطة جعلتهم يرفضون عقد صفقة جديدة مع نظام قد انتهى فحلم السلطة يقترب .لم تغفل أعين الاخوان عن السلطة وحلم الوصول لها دقيقة واحدة وظل الامر يراودها إلى ان تحينت الفرصة لم يكن حديث "صبحي صالح " الذي سمعته ومعي مجموعة من زملائي في اروقة مجلس الشعب كان مفاجئة لي عندما بدأ كلامه انهم أتقنوا اللعبة هذه المرة بخلاف على ما حدث بعد ١٩٥٢ وان الجماعة ادركت ان اللجنة العليا للأنتخابات سترفض خيرت الشاطر فدفعت بمحمد مرسي ، وانه حتى في حال حل البرلمان فالجماعة لن تخرج صفر اليدين لانها سيكون لديها مرشح رئاسي .." صالح "يصف الصراع على السلطة بالعبة ويقارنها بما حدث في أعقاب ١٩٥٢ بين الضباط الأحرار والجماعة بل ويفتخر انه قطبي ونفس منطق اي يميني من ليس معنا فهو ضدنا .
وقبيل ٣٠ يونيو كان حديث عصام العريان عن المعارضة غريبا .. وقبل استعراض رأيه كنت دائما أتأمل شكل مجلس الشورى الذي قمت بتغطية اخباره والذي حصنه محمد مرسي من الحل وأخذ المجلس مكان مجلس الشعب في مكان القاعة كنت أتأمل المشهد وجدت توزيع ادوار غير عادي وجدت السلفيون يمثلون دور المعارضة والوسط والجماعة الاسلامية رفقاء للأغلبية من الحرية والعدالة ، ورامي لكح فهو نموذج القبطي في دولة الاسلام وأيمن نور ومجموعته المجموعة الليبرالية ، اما من يدعون آلى ٣٠ يونيو فهي الجماعة المارقة التي لا يجب الإنصات لها بل يجب ضربها بقوة
وعودة للعريان فكانت وجهة نظره أن ٣٠ يونيو فقاعة هواء وان مرسي وحزبه هما الشرعية وتصور هو وجماعته انه بحشد قوتهم انه بذلك لا يمكن لهؤلاء الانتصار عليهم في المعركة وصوروا المسائل على ان هؤلاء يمثلون فسطاط الكفر هذا بخلاف اتهام الفلولية وما قاله رشاد بيومي بأن ٣٠ يونيو ستكون آخر المواجهات مع العلمانية خير شاهد على تقسيمة الكفر والإيمان .. والعنف اداة معتمدة والبروفة كانت في الاتحادية.
وقبل مغادرة السلوك السياسي للجماعة وان العنف والدم اداة معتمدة سئلني احد المنتمين للحرية والعدالة هو انت مع المشروع الاسلامي ولا لاء ؟ فسئلته وما هو المشروع الاسلامي الذي تقصده فلم يستطيع الإجابة والهدف من السؤال هو تصنيف الناس واستقطابهم ليس هذا فحسب بل علمت منه ان اروقة حزب الحرية والعدالة مدججة بالسلاح والمبرر هو الدفاع عن النفس ضد اي قوى تحاول الاقتراب وحرق المقارات وهذا منطق المليشيات المسلحة وليس الأحزاب السياسية مع رفع شعار سمعته جيدا وهو الخلافة قادمة قادمة من جميع نواب الحرية والعدالة وأنهم سيمكثون في السلطة ٥٠٠ عام.
وهذه الجماعة لن تتخلى عن أفكارها ولن تتخلى عن فكرة الخلافة فمنهم من يعتبرها فريضة من السماء ولكن في حقيقة الامر هي الوسيلة التي يبررون بها غايتهم بل ونهمهم للوصول الى السلطة ، وللأسف أقول ان وقائع الاغتيالات من النائب العام والى عميد الجيش عادل رجائي هو منهج يأخذ منحنى في منتهى الخطورة يجب إيقافه
اما الدولة الاسلامية في بلاد الرافدين "داعش " توجد صلات وثيقة بينها وبين جماعة الاخوان والسلفيين فعندما دخلت عناصر لسيناء بعد ٢٥ يناير وتولى الاخوان السلطة فتحت قنوات اتصال عن طريق ياسر برهامي فهذا الرجل يلعب جميع الأدوار ومع كل الأطراف
والهدف من الاتصالات التي جرت بالفعل ان يكون هناك حوارا استراتيجيا بين الجماعات وان يكون لُب هذا الحوار "الإسلام هو الذي يحكم الآن في مصر .. ويجب الوقوف في ظهر الجماعة عند اي مخاطر قد تحدق بمستقبلها في الحكم .
مكيافيلية الإخوان تسمح لهم ان تلعب بالجماعات في سيناء وتكون اداة من ادوات الحكم ، ولم يكن مشهد قطع العلاقات مع سوريا وفتح الباب لبعض العناصر للجهاد هناك ما هو ‘لا مشهد من مشاهد هذا الترابط.
لايجب أبدا ان نتوه في غيابات المسميات بين هذه الجماعات بين لواء الثورة وانصار بيت المقدس وغيرها فبقراءة بعض البيانات التي تخرج من هذه الجماعات فهم يطلقون على سيناء ولاية سيناء إذن هناك رابط انهم يريدون العودة بالخلافة اما في بغداد او في دمشق.
علينا أن ندرك ان التقسيمات الطائفية على قدم وساق في المشرق العربي وندرك ايضا الخطر القابع في ليبيا ، وانه لا بديل عن المواجهات الحاسمة وعودة الدولة لقوتها لتملئ الفراغ التي تلعب فيه هذه الجماعات والفراغ هنا بكل معانيه ويجب ان تكون هناك مؤسسات دولة ذات اداء قوى وان يكون هناك إصلاح حقيقي.