EN
جلس أمامى وهو ناقم وكاره على الدنيا ومن فيها يتلفظ بكل الألفاظ الكارهة لبلده وبلدى مصر، ويصف كل مافيها بالسيء، ولم يستثن أحدا.. وبما أننى أعشق تراب بلدى، وأنا فى الأول والآخر أم وهو فى منزلة ابنى وأقرب، فلم أعقب على هجومه النارى، فقط واصلت الاستماع له، وكلما شعر أننى كلى آذان صاغية واصل حديثه الهجومى الذى لم يتوقف إلا ليشعل سيجارة مستوردة، وأخذ منها نفسا عميقا، ونظر لى نظرة فسرتها على أنها سخرية منه لاستمرارى فى العيش فى بلد يرى أنها لا تستحق أن تحظى بلمة ابناءها معها وارتماؤهم فى أحضانها.
ولم أهتم بمضمون نظرته وواصلت الاستماع له وهو ينتقد المنظومة برمتها من الرئيس إلى الحكومة، وعندما جاء حديثه عن الشعب تحدث وأفاض وهو يشير على كل من يمر أمامنا ويقول "هل رـيتى شعبا بهذا القدر من عدم النظافة؟.
انظرى كيف يبصقون فى الطرقات وفى وسائل المواصلات؟ ركزى على أعمدة الإضاءة المنتشرة فى شوارعنا وحاراتنا لماذا يتركوها مضاءة فى النهار وفى الليل فاقدة للحياة؟
حاولى أن تفكى رموز وطلاسم حروف نحتت نحتا على الكراسى والعواميد فى وسائل المواصلات، بل والأدهى والأمر أن تجدى حروفا ورسومات وأسهم وتعليقات على الآثار العتيقة، فهم لم يحترموا تراثهم فقط بل لم يوفوا بحق أموات يعيشون فى خيرهم حتى هذه اللحظة وللحظات وسنين طويلة.
وبنهاية جملته انتهت سيجارته التى القاها بعيدا ولم يضعها فى المنفضة وأوهمته باننى لم أر سلوكه الشائن، ولكنه سارعنى وهو يحدق فى ويقول لى "..يقولون فى الخارج.." عندما تكون فى روما فافعل كما يفعل الروم.."وهاانذا افعل كما يفعل القاهريون !!
وأشار إلى القمامة الملقاة فى أماكن متفرقة رأيناها ونحن فى طريقنا الطويل، ثم قال لى"هل رأيتى شعب مثل هذا الشعب؟ لاتعنيه واجهة بلده ولا خباياها؟ شعب لا يعنيه سوى أن يأكل ويشرب وينام وأشياء أخرى أعف أن أذكرها.
شعب لا يريد أن يعترف بأن عليه واجبات بقدر ماله من حقوق.. شعب يرى الرشوة ضرورة لإتمام مصالحه فى الهيئات الحكومية وفى أى مكان له فيه مصلحة.. شعب يتحدث عن الحق جهارا ويمارس الباطل بياتا وليلا وسرا.
شعب يقول إنه مؤمن بطبعه وهو لايعرف من الإيمان سوى تأدية مناسك العمرة والحج إن استطاع اليهما سبيلا..شعبا يحرم على ال بيته كل ماهو حلال ويحل لنفسه كل ماهو حرام شريطة ألا يعرف أحد ما يفعله.
شعب يتحدث عن الحق وإعطاء الحقوق لأهلها وهو لايعطى أى ذى حق حقه بدءا من ال بيته ووصولا إلى عمله ونهاية بدولته. .شعب رجاله يلهثون وراء رغباتهم ويمنعون خيرهم عن ذويهم. شعب يشكو من ارتفاع الأسعار والغلاء وضيق العيش وينفق آلاف الجنيهات فى نزهة أو مصيف أو مناسبة من أجل الفشخرة أمام من يعرفونه أو يعرفهم.
شعب اذا تحدث لم يتوقف حتى لو لم يكن مجال الحديث تخصصه أو له علم به...شعب يفهم فى كل شئ وأى شئ ..شعب يشكك فى كل الرموز العالية والعلية.. شعب تتسع دائرة علمه وفهمه لتبتلع ايا من كان وتصفه وفقما تضعه الظروف والمناسبات.
شعب اخر شئ يجيده العمل وإتقانه ،لأنه يعيش بمبدأ "على اد فلوسهم".. شعب يتعامل مع بعضه البعض بأننا كلنا معيوبين وأنا أعرف عنك ما يجعلك مطاطى الرأس أمامى وأنت أرضا.
شعبا يجيد رمى المحصنات، وهتك الشريفات، وإلقاء التهم على الناجحين والتقليل من قدرهم.
شعب يفتخر بكل ماهو غربى حتى إن كان فردة حذاء ولا يأخذ من هذا الغرب إلا مالفظه الغرب ورموه وراء ظهورهم من أجل إعلاء شأن أوطانهم.. شعب ليس لديه رؤية لغده ولاحتى لتكملة يومه ومع ذلك يواصل استياءه ورفضه وشجبه لكل مايقع عليه بصره وبصيرته إن كان لديه بصيره.
شعب خلق للفساد إدارة وأصبح لها معلمون ونبراس أعظم..شعب لايقرأ، شعب رموزه هم مطربوا الفن الهابط وممثليه ولاعبوا كرة القدم.. شعب لايسعى إلا لقضاء الوقت وضع تحت قضاء هذه الف نقطة ونقطة.
وانتهى من كلامه وهو يقول لى اقول لكى هذا لأننى قررت الرحيل والسفر بعيدا وبلاعودة فهذا البلد لا يستحقنى وهذا الشعب لا يشرفنى أن اكون ضمن ابنائه..وعندما وجدنى لازلت احمل نفس الابتسامة الباهتة بادرنى قائلا ..طبعا انتى نادمة على ان عمرك انتهى وانتى هنا.
ورددت عليه وقلت له."بالطبع "فأنا أندم كل الندم على أن بلدى انجبت ابن عاق مثلك وكل من وصفتهم سابقا.. ابناء لم يقدموا لأمهم سوى الجحود..ابناء لم يسعوا مجرد سعى للاخذ بيد امهم الى بر الامان الذى يريدونه ..ابناء كل مافعلوه هو تسديد اللكمات والطعنات لمن وهبتهم الحياة.
ابناء بخلوا بأن يزيلوا عن وجه أمهم قساوة الزمن عليها، وضنين ابناءها وابتعادهم عنها.ابتاء عندما شبوا عن الطوق قطعوا حبل صلتهم بالام، ولم يرسلوا لها الاموال لتعيد تنظيم واكتساب مافقدته من اجلهم ..ابناء عاشوا لنفسهم ونسوا امهم ثم بعد ذلك اتهموها باللهو عنهم وعدم اعطاءهم حق البنوة ..ابناء صاروا يأكلون على كل الموائد من اجل مجد زائف وحفنة اموال وارصدة بنكية. ابناء هتكوا عرض امهم بدعوى الحرية والديمقراطية..ابناء تركوا امهم تحمى نفسها ممن يحاولون اغتصابها ولما علا صوتها من المغرضون والكاذبون والمنافقون كل مافعلوه معها هو مطالبتهم لها بان تخفض صوتها حتى لا يسمعها أحد ونسوا ان المغتصبة لاتصمت..وعند هذه الكلمة خنقتنى الدموع التى ابتلعتها وتركته وأنا اردد بلدى لم تحسن التربية أم أنكم عاقون
