قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

مرحبا بالسينما "غير النظيفة"!

×

يرى كثيرون أن من أبرز الظواهر السينمائية هذا العام القضاء على مصطلح "السينما النظيفة"، الذي انتشر مع موجة أفلام الكوميديا التي قام ببطولتها محمد هنيدي وجيل "المضحكين الجدد"، كما اصطلح على تسميته في نهاية التسعينيات.

وبرّر هؤلاء اعتقادهم بفكرة القضاء على هذه الظاهرة من خلال عودة مجموعة من الأفلام، التي أعادت القبلات الساخنة، والمشاهد الجريئة، وارتداء المايوهات على الشواطئ، ومنها "الماء والخضرة والوجه الحسن" ليسري نصرالله، و"قبل زحمة الصيف" لمحمد خان، و"حرام الجسد" لخالد الحجر، وغيرهما من الأفلام التي احتوت عددا من المشاهد التي غابت عن أفلام ما يسمى بـ"السينما النظيفة"، لتعيد المشاهدين مرة أخرى إلى "السينما غير النظيفة"!

كانت فكرة السينما الخالية من المشاهد الجريئة قد أعجبت كثيرين، ممن رأوا أنها يمكن أن تعيد الأسرة المصرية إلى السينما، حين يضمن رب الأسرة أن زوجته وأولاده وبناته، سيشاهدون عملا محترما يخلو من أي ألفاظ أو مشاهد بذيئة.

وحدث هذا بالفعل، وحقّق نجوم السينما النظيفة الملايين، قبل أن يقل تدريجيا إقبال المشاهدين على أفلامهم، ومقارنة بين إيرادات الأفلام التي حققها محمد هنيدي، كواحد من أهم رموز هذه السينما، في التسعينيات، والآن، تكفي للدلالة على انصراف الجمهور اليوم عن هذه النوعية من الأفلام، والتي أدّت في النهاية إلى تغيير خريطة وذوق المشاهدين، لتغيب الأسرة المصرية تماما، مقابل الشباب الذي احتل دور العرض، بحثا عن أفلام المخدرات والأكشن في نهاية المطاف.

كما أدّت هذه النوعية من الأفلام إلى عكس المراد منها في الشارع، وبدلا من توعية جيل جديد بشكل أخلاقي، حسب الهدف المعلن من السينما النظيفة، زادت معدلات التحرش في الشارع، وساءت أخلاق الشباب، لتحتل مصر المركز الثاني في العالم في التحرش، وفي مشاهدة المواقع الإباحية على الإنترنت، صحيح أن السينما ليست المسؤولة وحدها عن هذا التدهور الأخلاقي والسلوكي، ولكن الصحيح أنها واحدة من أهم الأسباب.

حاول كثيرون من السينمائيين خلال السنوات الماضية الخروج عن هذه الدائرة الضيّقة من الأعمال السينمائية، وتقديم أعمال فنية جيدة، بعيدا عن التقيّد بهذه الأمور الدخيلة على الفن، والتي لعبت على مشاعر الجماهير الدينية، فظهرت العديد من الأعمال الجريئة والمغايرة، ابتداء من "دانتيلا" لإيناس الدغيدي عام 1998، مرورا بـ"سوق المتعة" لسمير سيف عام 1999، و"الأبواب المغلقة" لعاطف حتاتة عام 2000، و"الساحر" لرضوان الكاشف عام 2001، و"رحلة مشبوهة" لأحمد يحيى عام 2002، و"قصاقيص العشاق" لسعيد مرزوق عام 2003، و"بحب السيما" لأسامة فوزي عام 2004، و"الباحثات عن الحرية" لإيناس الدغيدي عام 2005، و"عمارة يعقوبيان" لمروان حامد عام 2006، و"حين ميسرة" لخالد يوسف عام 2007، و"الريّس عمر حرب" لخالد يوسف عام 2008، و"بالألوان الطبيعية" لأسامة فوزي عام 2009، و"رسائل البحر" لداوود عبدالسيد عام 2010، و"واحد صحيح" لهادي الباجوري عام 2011، و"ركلام" لعلي رجب عام 2012، و"جرسونيرة" لهاني جرجس فوزي عام 2013، و"حلاوة روح" لسامح عبدالعزيز عام 2014، و"قدرات غير عادية" في 2015، وهي أبرز الأفلام السينمائية التي عرضت خلال السنوات الماضية، ويمكن أن نقول إنها تمرّدت على قوانين السينما النظيفة.

والحقيقة أن عبارة "للكبار فقط" التي فرضتها الرقابة على أكثر من فيلم من أفلام هذا الموسم، ومنها "حرام الجسد" و"قبل زحمة الصيف"، وعبارة "فوق 16 سنة" لفيلم "اللي اختشوا ماتوا" لإسماعيل فاروق، تؤكد أن تغيّرا ما حدث في عالم السينما، وأن هناك ما يشبه الثورة على السينما النظيفة، اسما لا فعلا، التي أدت في النهاية إلى إفساد السينما، وتنظيفها من جمهورها الحقيقي، في مقابل جمهور فسد ذوقه بسبب هذه النوعية من الأعمال الفنية التي رفعت شعار "النظافة قبل الفن أحيانا".

الغريب أن عودة القبلات، والمشاهد الجريئة، وارتداء المايوهات على الشواطئ، كما فعلت هنا شيحا، التي أثارت كثيرا من الجدل، وتعرّضت لحملة هجوم كبيرة لارتدائها المايوه لأول مرة في حياتها، في فيلمها الجديد "قبل زحمة الصيف" أصبحت ظاهرة لافتة، وكأنها ابتكار حديث أو أمر جديد يحدث في السينما المصرية لأول مرة، علما أن أفلام الأبيض والأسود، وسينما الزمن الجميل، كانت مليئة بمثل هذه المشاهد والقبلات والمايوهات، دون أن يكون لها أي تأثير سييء على أخلاق المشاهدين، ونظرة إلى أفلام عبدالحليم حافظ وفاتن حمامة وسعاد حسني ونادية لطفي ومريم فخرالدين وناهد شريف، وغيرهم من فناني الزمن الجميل، تكفي للدلالة على الانحدار الذي وصلت إليه السينما المصرية في السنوات الأخيرة.

والحقيقة أن مصطلح "السينما النظيفة" مصطلح مصري بامتياز، لا مثيل له في السينما الأمريكية أو العالمية، التي لا تفرض أبدا قواعد غير فنية على العمل الفني، وربما يفسّر هذا التفاوت الرهيب ما بين مستوى الأفلام الأمريكية، والمصرية، وهو ما يفسّر أيضا الغياب السينمائي المصري عن أهم المهرجانات الفنية الدولية، سواء على مستوى المنافسة، أو حتى على مستوى المشاركة.

ترحيبي بعودة أفلام "للكبار فقط"، وعودة المشاهد الجريئة إلى السينما، ليست دعوة للإثارة أو الجنس، ولكنه ترحيب بإمكانية عودة المشاهد "الطبيعي" إلى دور العرض، بعد أن غاب و"داب" بسبب السينما النظيفة التي لم تكن أبدا نظيفة!