قال لى صديق عمرى المهاجر من أرض الكنانة إلى الأبد لبلاد النور والحضارة الحديثة 'طبعا انتم عايشين عيشة ما يعلم بيها إلا ربنا' ولأول وهلة حسبته يقارن عيشتنا بعيشة ابناء البلد التى انخرط فيها منذ سنين عدة وأصبح منهم ويحمل جنسيتهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ، فقلت له وأنا أتحدث معه عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة المسماة" بالسكاى بى' مقارنة بما أنتم عليه فبالطبع نحن فى الدرك الأسفل من مراتب الحياة والرفاهية.
ولم أكد أنهى جملتى إذ وجدته يرد ويسرد ويقول لى بما تتناقله ألسنة ووسائل جهات صورت مصر دولة ترتع فى الفساد وتعيش فى القرون الوسطى، حيث قال" طبعاالزحام يخنقكم، وعوادم السيارات تزيد من أمراضكم المتوارثة أمراض أخرى، وفيروس سى اللعين يستشرى عندكم؛ وتجارة الأعضاء تقتطع من أجسام ابنائكم وأزواجكم ولا تستثنى كبيرا او صغيرا؛ وكما نعلم المياه ملوثة؛ والفساد عم البر والبحر؛ والرشى هى طريقة تعاملكم فى المصالح الحكومية والوسائل الحياتية؛ تفضلون الظلام حتى لا ترهق ميزانياتكم فاتورة الكهرباء.
تتعاملون مع المياه بحرص مبالغ حتى تقتصدوا من قيمة الفاتورة المجحفه المرهقة لكم، مرتباتكم هزيلة؛ تعملون بالساعات الطوال وتتقاضون الزهيد؛ أسعار كل السلع والمنتجات فى زيادة مستمرة ؛ ومعدلات الفقر ترتفع وتتخطى أكثر من نصف تعداد السكان.
وحاولت أن أقاطعه ولو من قبيل إعطائه الفرصه ليتنفس؛ وكلى أمل أن يراجع نفسه أو يتراجع وأن يترك لى فرصة لمجرد التحدث والحديث، ولكنه حرمنى من ذلك بأن قال وهو متهكما"القضاء عندكم غير عادل؛ شرطتكم ظالمة لا تنصف الفقير أبدا ولا تأخذ الحق إلا للغنى، أو أصحاب الذوات والمحسوببات، والياقات البيضاء والخضراء والزرقاء.
قال هذه العبارات وهو متهكما ضاحكا ضاربا يد بأخرى مستكملا حوار الطرف الواحد، واستطرد وكله سخرية "إعلامكم الحكومى بوق للحاكم وغير الحكومى مسطبة لرجال الأعمال وأصحاب النفوذ يستضيفون فيها كل من يأتى على هواهم ويسلخون فيها عكس ذلك".
ورفعت يدى كتلميذة فى صفوف الدراسة الاولى تأخذ الإذن بالحديث الا انه تجاهلنى وواصل حواره الالمعى ولم يترك مكان ولا زمان ولا بنيان ولا بشر ولاحجر ولا جامد ولا ناطق إلا وسخر منه وقلل من قيمته.. ووسط هذه التهكمات وجدتنى أصرخ فى وجهه واسأله" انت وظيفتك هناك ايه"؟ورد مزهوا "أنا مهندس كمبيوتر"فراجعته وقلت له "لا أقصد وظيفتك المعملية ولا العلمية، أقصد وظيفة من نوع آخر أخذت منك أخذا، وظيفة تجعلك لا تصدق كل ما يقال عن بلدك حتى لو كان صادقا مادام ذلك سيقلل من قيمتهاوقدرها، وظيفة تجعلك تحزن عندما تدرك سلبيات بلدك ولا تعرف كيف تحولها إلى ايجابيات، وظيفة تجعل منك إنسانا غيورا على وطنه يسعى لبذل جهود ومجهودات من اجل أخذه من عثرته والعبور به إلى بر الأمان.
وظيفة تجعلك تصلى فى كل يوم الف مرة وتدعو بأن يرفرف علم بلدك ويعلو فى كل الأماكن والأزمان.. وظيفة إن تكون مبتهلا للرحمن بأن تتمكن حكومتك من القضاء على الفساد ومحاربة الإرهاب.. وظيفة أن تقدم يد العون وتعتريك دائما أبدا رغبة إعلاء البنيان.
وظيفة ان تفتخر بكونك ابن بلد كانت مهبط للرسالات ومنشأ للحضارات، وظيفة أن تكون على يقين بأن الأوطان تسرى فى دمك ولا تتغير بتغير المكان.. وظيفة أن تكذب أى شئ يستبدل حبك لبلدك بكرها يوازى حبك لوطن بديل ولجنسية مكتسبة.. أتدرى ماهى الوظيفة ؟هى ما تسمى بالانصهار فى حب الأوطان.. هى ببساطة وظيفة ألا تكون "مصدقاتى" لكل ما يقال، والإيمان بأن حب الوطن لا يضاهيه حب كائن من كائن.