قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

كارثة عشوائيات مصر "الحديثة"


يحظى ملف العشوائيات فى مصر باهتمام متأرجح من قبل الحكومات المتعاقبة، ما بين نظرتها لحقوق المهمشين فى السكن الملائم، ومخططات التطوير التى تستهدف مناطق ربما كانت على رأس أولوياتها ضمن أطروحات استثمارية لإعادة استغلال الشخصية الاقتصادية لها، خاصة الواقعة منها فى نطاق إقليم القاهرة الكبرى.

وتأسيس رؤى حكومات ما بعد 30 يونيو، لا يمكن أن يذهب بعيدًا عما تضمنه دستور مصر 2014، وإن أرادت غير ذلك، فقد أشار فى المادة 63 منه إلى حظر التهجير القسري التعسفى بجميع صوره وأشكاله واعتبر مخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم، وهى مادة اعترض عليها عضوان فقط بلجنة الخمسين وأيدها 46 عضوًا.

بينما المادة 78 من الدستور التى حظت بإجماع أعضاء اللجنة، تكفل معها الدولة للمواطنين الحق فى المسكن الملائم والآمن والصحى، وتلتزم بوضع خطة وطنية للإسكان تراعى الخصوصية البيئية، وتكفل إسهام المبادرات الذاتية والتعاونية فى تنفيذها، وتنظيم استخدام أراضى الدولة ومدها بالمرافق الأساسية فى إطار تخطيط عمرانى شامل للمدن والقرى واستراتيجية لتوزيع السكان، بخلاف إلتزامها بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة.

وتواجه الحكومات، على الأرض، أزمة حقيقية فى تعريف مفهوم العشوائيات، الذى تحول فى العقل الجمعي المعاصر من نماذج عشش الصفيح إلى خرسانات تناطح ارتفاعاتها السماء فى شوارع غير مؤهلة، آخر ما يدخلها المرافق والخدمات ووسائل الأمان.

هنا تجد الحكومات تقلب أوضاع سكان مهددين بالموت فى مناطق خطرة، كالشهبة بالدويقة ومنشأة ناصر وتل العقارب وما على شاكلتها، وتجليهم إلى مناطق مخططة تفتقد ولو مؤقتًا ضمانات ممارسة أنشطتهم الاقتصادية والشعور بحالة "المجتمع" القديمة، لكنها تسهم بصمتها وسياساتها وتشريعات برلماناتها من ناحية أخرى، عن كوارث تهدد حياة الملايين فى أبراج وعقارات غير آمنة، اضطروا إليها فى غياب خطة قومية أبعد مدى، تستوعب احتياجات السوق العقاري الحقيقية لكافة الطبقات الاجتماعية دون تمييز، يرى واضعوها السكن سلعة وليس حقًا إنسانيًا.

وخطورة النماذج العشوائية للبناء،فى مصر "الحديثة" التى ننشدها ونسعى إليها، تتمثل فى غياب رقابة الحكومات على عمليات إنشائها، وصعوبة الاعتماد على أجهزة المحليات العاملة دون رقابة شعبية منذ 6 سنوات انتشرت خلالها المخالفات البنائية لتصل تقديراتها أكثر من مليون عقار، بخلاف ما بُني على أراض زراعية جرى تبويرها تجاوزت مساحتها 120 ألف فدان حسب تقديرات وزارة الزراعة.

لكن أسوأ مخاطرها أنها أصلت لمفهوم المخالفة الشعبية لإرادة الدولة الغائبة، والتى لو توافرت لمدة حكم واحدة لرئيس منتخب، لتحولت استثمارات بمئات المليارات فى القطاع العقاري الشعبي، أو الإسكان الفوضوي بالأصح، إلى بناء ما هو أروع من عاصمة جديدة ننتظرها جميعًا.

الأمر ذاته ينطبق على نماذج لمجتمعات محرومة من التنمية لسنوات طويلة صنفتها حكومات سابقة زورًا كعشوائيات، ماسبيرو وبولاق وغيرها من المناطق الشعبية، تنضم إليها مناطق تاريخية داخل القاهرة تداخلت مساكن أهلها مع آثارها، ومن غير المقبول الحديث عن تطويرها دون إشراك سكانها أصحاب الأرض فى مخططات التحديث ومشاريع الاستثمار المطروحة-إن قبلوا بها-، خصوصًا فى ظل حالة التراجع الملحوظ للاستثمار الأجنبي الشريك الغائب فى هذا القطاع، وتوجيه رءوس أموال المستثمرين المحليين نحو الإسكان الفاخر والسياحي.

قبل شهرين افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي مدينة «الأسمرات» في منطقة المقطم، ضمن خطة لتطوير ونقل سكان العشوائيات، تبنتها الدولة بدأت معها فى تنفيذ 72 مشروعًا بأكثر من محافظة بالجمهورية، وتستهدف تطوير 351 منطقة عشوائية متبقية في مصر خلال عامين، وبناء 85 ألف وحدة سكنية بتكلفة مبدئية 9 مليارات جنيه لاستيعاب أزمات 75 ألف مواطن داخل 156 منطقة، تكتمل بإضافة 80 ألف وحدة أخرى لسكان 123 منطقة بتكلفة تصل 7 مليارات جديدة.

لكن المشهد كله يطرح على الحكومات التى تكتفي بتحصيل غرامات من المخالفين عن عقارات تهدد حياة الملايين بارتفاعات لا تستوعب شبكات المرافق احتياجاتها، تساؤلًا مهمًا ومشروعًا، متى يظهر الرئيس مفتتحًا لمشروع إسكان قومي حقيقي يستوعب أموال شرائح اجتماعية تلجأ للمخاطرة بها فى عشوائيات مصر الخرسانية الجديدة؟

أعتقد أن الحكومة مُطالبة الآن، وليس غدًا، بإعادة النظر فى أنظمة طرح وحدات تنفذها برامج وزارة الإسكان للمصريين، وصياغة مفهوم لـ"مدن جديدة" تعيش حالة "المجتمع" المتكاملة، هنا لن يلجأ مشترو الوحدات عبر القرعة أو التخصيص أو المزادات، إلى بيعها أو تسقيعها بدلًا من تعميرها والسكن فيها.

فيما تضع وزارة التنمية المحلية خطة أنسب من تحصيل الغرامات للتعامل مع العشوائيات الجديدة، ويضمن البرلمان قانونًا يسمح برقابة حقيقية للمجالس الشعبية المحلية المنتخبة على موظفي الأحياء ومجالس المدن، ومحاسبة المحافظين أيضًا، قبل أن نشهد يومًا نطالب فيه الدولة بعاصمة جديدة تليق بالبلاد، ليست إدارية وفقط.