الفرق
بين رجل السياسة المحترف عندما يكون في موقع المسئولية وبين غيره ممن يهبطون على الكراسي
بالباراشوت، هو أن رجل السياسة المحترف قبل ان يتخذ أي قرار يمس حياة الناس يدرس
تأثيره على كل من له علاقة بالقرار مهما كانت درجة تأثره بالقرار، وبخاصة عامة
الشعب الذين انتخبوه واختاره، أما عندما لا يكون للشعب أي دور في اختياره فأن هذا
الشعب لا يكون في بؤرة تفكيره الأساسي عند أتخاذه أي قرار.
وهذا
الأسبوع صدرت قرارات زيادة التعريفة الجمركية على العديد من السلع المستوردة دون
مقدمات، وهذه القرارات اعتادت العديد من الدول استخدامها لحماية منتجاتها الوطنية أحيانًا،
ولتقليل العجز في الميزان التجاري أحيانًا، ولإيقاف نزيف العملات الصعبة في أحيان
أخرى، فهي قرارات معتادة وليست جديدة على العمل الاقتصادي، وذلك كله يكون في أطار
السياسة العامة للدول، وفى حدود ما يتحمله المواطنين فيها، ودون أن تكون هذه
القرارات مفصلة لخدمة أهداف مجموعة معينة من الناس أو لتحقيق مكسب مادى صغير
يرافقه خسائر جانبية مدمرة على حياة الناس.
لأن
ألف باء زيادة التعريفة الجمركية على سلعة ما هو زيادة سعر هذه السلعة، فإذا كان
لها بديل محلى بنفس الجودة أو حتى أقل منها نوعًا ما وبنفس السعر، فالطبيعي أن
يذهب الناس لشراء البديل المحلى، وهذا يحدث بصورة طبيعية في الدول المحترمة التي
تمتلك قدر كبير من الشفافية في التعامل مع القرارات التي تمس حياة مواطنيها،
وتمتلك قدر كبير من الارادة والعمل لحماية المستهلكين سواء من خلال قوانين ذكية أو
منظمات مجتمع مدنى مؤثرة.
أما
الدول التي تحكمها الأهواء والمصالح الشخصية ويلعب فيها المحتكرون الدور الرئيسي في
حركة وأسعار السلع، فأن زيادة الجمارك على السلع المستوردة يتبعه زيادة اسعار
السلع المحلية، فالُمنتج الذى يحتكر سلعة ما أول شيء يفعله بعد زيادة أسعار السلع
المماثلة المستوردة هو أنه يرفع سعر سلعته، وذلك لأنه لا توجد رقابة حقيقية وفعالة
على الأسعار، ولذا فأن الانظمة الذكية التي تراعى مصالح شعوبها يكون لديها رقابة
ومرونة كبيرة عند التعامل مع حركة الاسواق الداخلية وعلاقتها بالمنتجات الواردة من
الخارج.
وذلك
بالنسبة للسلع التي لها بديل محلى، أما السلع التي ليس لها بديل محلى فأن رفع
التعريفة الجمركية عليها لن تجنى منه الدولة سوى ارتفاع نسبة التضخم بارتفاع أسعار
هذه السلع، والزيادة في عوائد الجمارك على هذه السلع لا تقارن بالمعاناة التي
ستسببها للمواطنين نتيجة لارتفاع الاسعار، وهو ما يطلق عليه بعض العامة المثل الشعبي
(علشان يصلح ساقية يخرب طاحونة).
بالتأكيد
هذا الكلام لا ينطبق بنفس الكيفية على ما يُطلق عليه مجازًا بالسلع الاستفزازية التي
تخاطب عددا محدودا من المستهلكين على قمة الهرم الاجتماعي، وهى السلع التي لو ارتفع
سعرها عشرات المرات فسوف يشتريها هؤلاء، ولذا فأن زيادة الجمارك عليها لن يحد من
استيرادها، فاذا كان هدف زيادة الجمارك عليها هو الحفاظ على الدولار فأن هذا
الاجراء سيكون دون جدوى، والاجراء العملي هو وقف استيرادها وتسهيل أنتاج بديل محلى
لها.
وتسهيل إنتاج هذا البديل المحلى يأخذنا الى أصل المشكلة لبعض السلع المستوردة، وهو أن
ظروف تصنيعها أو إنتاجها في مصر هي ظروف مأساوية، ولذا فأن رجل الاعمال يجد أن استيرادها
من الخارج سواء من مزارعه أو مصانعه خارج مصر أو مصانع غيره أرحم له من عناء إنتاجها
أو تصنيعها في مصر، وهذا جانب أساسي من جوانب كارثة زيادة الواردات بالمقارنة بالصادرات.
وأخيرًا
أتمنى أن تصدر أي قرارات خاصة بزيادة الجمارك على السلع المستوردة بعد دراسة تأثيراتها
من جميع النواحي، وضبط الاسواق الداخلية قبل ان ترى هذه القرارات النور، أما
الحديث عن مكسب زيادة عائدات الجمارك دون النظر لخسارة الرضا الاجتماعي بسبب
الزيادة الغير مقبولة للأسعار، فهو كمن كسب محطة وقود مجانية على فوهة جبل بركاني
يُوشك أن يقذف حممه على الجميع.