عندما يتكرر خروج بعض قطارات السفر عن بعض القضبان بسبب خطأ سائقى القطارات أو بسبب عيوب فى بعض خطوط السكك الحديدية، هل يكون الحل لمنع تلك الحوادث هو إيقاف السفر بالقطارات؟ وهل عندما يتكرر فشل نوع ما من العمليات الجراحية فى أحدى المستشفيات، يكون الحل لمنع حدوثها هو أن نغلق كل غرف العمليات فى جميع المستشفيات؟ وهل عندما ينهار برجا سكنيا فى مدينة ما، يكون الحل لمنع انهيار غيره هو أن نمنع بناء الأبراج فى طول البلاد وعرضها؟ بالتأكيد الإجابة هى "لا".
فلماذا يطالب البعض بحسن أو بسوء نية إلغاء نظام القبول المعمول به فى الجامعات المصرية، رداً على تسريبات امتحانات الثانوية العامة وتخصيص لجان خاصة لأبناء بعض أصحاب النفوذ والحصانة، وما علاقة نظام القبول بالفشل غير المفهوم وغير المبرر فى إدارة عملية الامتحانات هذه الأيام؟
بالتأكيد لا علاقة لنظام القبول المعمول به حالياً فى الجامعات بالتسريبات أو باللجان الخاصة، فعملية إدارة الامتحانات عملية مستقلة بذاتها، وكانت تدار بكفاءة طوال عشرات السنوات الماضية، والخطأ هذه الأيام هو خطأ بشرى بحت، والمسئول عنه هم بعض المسئولين سواء عن وضع أو طباعة أو توزيع أو مراقبة أو تصحيح الامتحانات أو بعض المسئولين عن إدارة منظومة الامتحانات برُمتها.
أما الحديث الغريب عن وضع نظام اختبارات للقبول فى الكليات لتفادى عمليات الغش، فهو بمثابة تقنين للواسطة والمحسوبية، فاذا كانت التعيينات فى بعض الكليات الجامعية قد صارت حكراً لأبناء أعضاء هيئة التدرس فيها، واذا كانت بعض الأقسام الجامعية فى بعض الكليات يتم إغلاقها لحين وصول ابن رئيس القسم إلى المرحلة الجامعية وهو مازال فى الإعدادية أو الثانوية، فهل هذه الأوضاع تسمح لنا بغير نظام القبول الحالى؟!
وإذا كان من جلس على كرسى وزير العدل يوماً ما، كان يرى أن الكفاءة الشخصية ليست كافية وليست المعيار الوحيد للحكم على خريجى كليات الحقوق عند طلب التحاقهم بالوظائف فى سلك القضاء، وأن تعيين أبناء القضاة فى الهيئات القضائية هو زحف مقدس، فهل نحن بصدد حرمان بعض الناس من دخول كلية الحقوق كى نقطع الطريق على أبناء عامة الشعب فى العمل كمحامين أو قضاة؟ وقس على ذلك كليات الطب والهندسة والاقتصاد والإعلام وغيرها من الكليات التى جمعت بين جنباتها يوماً ما كل طوائف وفئات المجتمع وكانت مكانا طبيعيا للمساواة وإذابة الفوارق بين الطبقات.
ولذا أقولها بكل صراحة وبكل وضوح، نحن فى مصر لسنا مؤهلين بأى صورة من الصور لوضع نظام قبول بالجامعات يعتمد على ضمير من يقوموا باختبار وتقويم المتقدمين للكليات المختلفة، إلا إذا كان الهدف الحقيقى كما يقول بعض الناس هو منع أبناء عامة الشعب من دخول ما يطلقون عليه كليات القمة وتقليص عدد المقبولين بالجامعات بصفة عامة، وإن شئت قل حصر دخول الجامعات على أبناء القادرين مادياً أو سلطوياً فقط لا غير.
عن نفسى لا أعتقد أن الرئيس السيسى سيوافق على نظام يفرق بين الناس بهذه الطريقة، فالنظام الحالى المعمول به فى الثانوية العامة وإن كان ليس الأفضل على مستوى العالم، لكنه يوفر الحد الأدنى من العدل بين الطلاب عند التحاقهم بالجامعات فى مصر، وإذا كانت هناك عمليات غش أو عمليات تسريب للامتحانات فهذه مشكلة وزارة التربية والتعليم ومعها الأجهزة الأمنية فى مصر، وهى مشكلة يمكن حلها بسهولة ويسر إذا كانت هناك إرادة حقيقية لمنعها، أما الحديث عن إلغاء نظام القبول لمنع الغش فى الامتحانات فهو حديث مغلوط وتفوح منه رائحة ليست طيبة بالمرة.
وليس من المعقول فى بلد يتم فيه نقل بعض أبناء أصحاب النفوذ إلى لجان اشتهرت بالغش الجماعى، ويتحدث فيه الناس عن تبديل أوراق الإجابة فى الكونترولات، أن يأتى أحد فيها ويتكلم عن اختبارات للقبول فى الجامعات تعتمد على ضمير من يقوم بهذه الاختبارات، بالإضافة إلى أن مصر ليست بحاجة الى افتعال مشكلات جديدة تهدد سلامة وتماسك نسيجها الاجتماعى، الذى لم يعد كما كان.