اختلف العلماء على أكثر من قول في تقسير «فضحكت» في قول الله تعالى «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ» سورة هود (71).
وقال الإمام الطبري في تفسير الآية، القول في تأويل قوله تعالى: «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ» أن المقصود بامرأته، سارَة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فالغ، وهي ابنة عم إبراهيم، و(قائمة)، قيل: كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلام الرسل وكلام إبراهيم عليه السلام، وقيل: كانت قائمة تخدُم الرسل، وإبراهيم جالسٌ مع الرسل.
وأوضح الطبري أن قوله: «فضحكت»، اختلف أهل التأويل في معني السبب الذي من أجله ضحكت، فقال بعضهم: ضحكت الضحك المعروف، تعجبًا من أنَّها وزوجها إبراهيم يخدمان ضِيفانهم بأنفسهما، تكرمةً لهم، وهم عن طعامهم ممسكون لا يأكلون.
وأشار الطبري، إلى أن آخرين رأوا: بل ضحكت من أن قوم لوط في غَفْلة وقد جاءت رُسُل الله لهلاكهم، وذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه حدثوه عند ذلك بما جاؤوا فيه، فضحكت امرأته وعجبت من أن قومًا أتاهم العذاب ، وهم في غفلة. فضحكت من ذلك وعجبت ، فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ.
وتابع: وقال آخرون: بل ضحكت ظنًّا منها بهم أنهم يريدون عَمَل قوم لوط، وذكر من قال ذلك: حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، في قوله: (وامرأته قائمة فضحكت) ، قال: لما جاءت الملائكة ظنَّت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط.
واستطرد: قال آخرون: بل ضحكت لما رأت بزوجها إبراهيم من الرَّوع، وذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي: (فضحكت)، قال: ضحكت حين راعُوا إبراهيم مما رأت من الروع، بإبراهيم.
واستكمل: وقال آخرون: بل ضحكت حين بشرت بإسحاق تعجبًا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها، وذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: لما أتى الملائكة إبراهيم عليه السلام فرآهم، راعه هيئتهم وجمالهم، فسلموا عليه، وجلسوا إليه، فقام فأمر بعجل سمين، فحُنِذَ له، فقرّب إليهم الطعام ، فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً، وسارة وراء البيت تسمع، قالوا: لا تَخَفْ إنَّا نبشرك بغلام حليم مبارك ! وبشّر به امرأته سارة، فضحكت وعجبت: كيف يكون لي ولد وأنا عجوز، وهو شيخ كبير! فقالوا: أتعجبين من أمر الله؟ فإنه قادر على ما يشاء! فقد وهبه الله لكم، فأبشروا به.
وقال بعض من كان يتأول هذا التأويل: إن هذا من المقدَّم الذي معناه التأخير، كأنّ معنى الكلام عنده: وامرأته قائمة، فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، فضحكت وقالت: يا ويلتا أألد وأنا عجوز؟
ولفت إلى أن آخرين رأوا أن معنى قوله: "فضحكت" في هذا الموضع: فحاضت، وذكر من قال ذلك: حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد، عن علي بن هارون، عن عمرو بن الأزهر، عن ليث، عن مجاهد في قوله: (فضحكت)، قال: حاضت، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة. قال: وكان إبراهيم ابن مائة سنة.
ونوه الإمام الطبرى بأن آخرين قالوا: بل ضحكت سرورًا بالأمن منهم، لما قالوا لإبراهيم: لا تخف، وذلك أنه قد كان خافهم وخافتهم أيضًا كما خافهم إبراهيم . فلما أمِنَت ضحكت، فأتبعوها البشارة بإسحاق.
وقد كان بعض أهل العربية من الكوفيين يزعم أنه لم يسمع "ضحكت"، بمعنى: حاضت، من ثقة، وذكر بعض أهل العربية من البصريين أن بعض أهل الحجاز أخبره عن بعضهم أن العرب تقول "ضحكت المرأة"، حاضت. قال: وقد قال: "الضحك"، الحيض، وقد قال بعضهم: "الضحك": الثَّغْرُ، وذكر بيت أبي ذؤيب: فَجَـاءَ بِمِـزْجٍ لَـمْ يَـرَ النَّـاسُ مِثْلَهُ هُـوَ الضَّحْـكُ إلا أَنَّـهُ عَمـلُ النَّحْلِ.
وذكر أنَّ بعض أصحابه أنشده في الضحك بمعنى الحيض: وَضِحْــكُ الأرَانِــبِ فَـوْقَ الصَّفَـا كَمِثْــل دَمِ الجَــوْفِ يَــوْمَ اللِّقَـا
قال: وذكر له بعض أصحابه أنه سمع للكميت: فَـأضْحَكَتِ الضِّبَـاعُ سُـيُوفُ سَـعْدٍ بِقَتْــلَى مَــا دُفِــنَّ وَلا وُدِينَــا، وقال: يريد الحيض، قال: وبلحرث بن كعب يقولون: "ضحكت النخلة"، إذا أخرجت الطَّلع أو البُسْر، وقالوا: "الضَّحك" الطلع. قال: وسمعنا من يحكي: "أضحكت حوضًا " أي ملأته حتى فاض. قال: وكأن المعنى قريبٌ بعضه من بعض كله، لأنه كأنه شيءٌ يمتلئُ فيفيض.
وأفاد بأن أبا جعفر قال وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بالصواب قولُ من قال: معنى قوله: "فضحكت" فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب الله وغفلتهم عنه، وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب، لأنه ذكر عقيب قولهم لإبراهيم: لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، فإذ كان ذلك كذلك، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لإبراهيم: (لا تخف)، كان الضحك والتعجب إنما هو من أمر قوم لوط.