أخبرنا الله تبارك وتعالى بأن الجنة تجري من تحتها الأنهار، كما في قوله تعالى «وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَناتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]».
وذكر القرآن الكريم أن الجنة تجري تحتها الأنهار، كما في قوله تعالى: «أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَناتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا» الكهف:31].
وحدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنهار الجنة حديثًا واضحاً بينًا، ففي إسرائه صلوات الله وسلامه عليه: «(رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل، ما هذه الأنهار؟ قال: أما النهران الباطنان: فنهران في الجنة وأما الظاهران: فالنيل والفرات»
وفي (صحيح البخاري) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رفعت لي السدرة، فإذا أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان، فأما الظاهران: فالنيل والفرات، وأما الباطنان: فنهران في الجنة». وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة».
وقال نور الدين أبو الحسن المعروف بـ«القارى»: "إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنة، لما فيها من العذوبة والهضم، ولتضمنها البركة الإلهية، وتشرفها بورود الأنبياء إليها وشربهم منها".
وأضاف أن من أنهار الجنة الكوثر الذي أعطاه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» [ الكوثر:1]، وقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحدثنا عنه، ففي (صحيح البخاري) عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما أنا أسير في الجنة، إذ أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فإذا طيبه- أو طينه – مسك أذفر)) شك هُدْبة.
وفسر ابن عباس الكوثر بالخير الكثير الذي أعطاه الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو بشر لسعيد بن جبير راوي هذا التفسير عن ابن عباس: إن أناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه.
وجمع الحافظ بن كثير الأحاديث التي أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيها عن الكوثر، فمن هذه الأحاديث ما رواه مسلم في (صحيحه) عن أنس، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين أنزلت عليه إِنا «أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ» [الكوثر:1] قال: ((أتدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو نهر وعدنيه الله عز وجل، عليه خير كثير)).
وساق حديث أنس عند أحمد في (مسنده) عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أعطيت الكوثر، فإذا نهر يجري على ظهر الأرض، حافتاه قباب اللؤلؤ، ليس مسقوفاً، فضربت بيدي إلى تربته، فإذا تربته مسك أذفر، وحصباؤه اللؤلؤ)). وفي رواية أخرى في (المسند) عن أنس يرفعه: ((هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طيور أعناقها مثل أعناق الجزور)). وقد ساق الحافظ ابن كثير روايات أخرى كثيرة في الموضوع فارجع إليه إن شئت المزيد.
وأضاف ابن حجر أن أنهار الجنة ليست ماء فحسب، بل منها الماء، ومنها اللبن، ومنها الخمر، ومنها العسل المصفى، قال تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن ماء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ» [ محمد:15]. وفي (سنن الترمذي) بإسناد صحيح عن حكيم بن معاوية (وهو جد بهز بن حكيم) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن في الجنة بحر العسل، وبحر الخمر، وبحر اللبن، وبحر الماء، ثم تنشق الأنهار بعد)).
وأشار إلى أن أنهار الجنة تنشق من تلك البحار التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن نهر يسمى بارق يكون على باب الجنة، ويكون الشهداء في البرزخ عند هذا النهر، ففي (مسند أحمد)، و(معجم الطبراني)، و(مستدرك الحاكم) عن ابن عباس بإسناد حسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً)).