قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

اختيار المكره


الحيرة الشديدة التي وقع فيها غالبية المصريين بعد ظهور مؤشرات نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي أفضت إلى دخول"الفريق"شفيق و"البديل"مرسي جولة الاعادة، تنبئ بتغيرات جوهرية في بنية الوعي الجمعي لدى المصريين، يجب التوقف أمام مدلولاتها ورصدها بدقة.
أولا: أثبتت حالة الذعر والهلع التي أعقبت ظهور النتائج ان غالبية المصريين يرفضون بشكل قاطع حالة الاستقطاب الحاد بين إعادة دولة الفساد أو انتاج دولة الاستبداد.

ثانيا:أثبتت النتائج ان غالبية المصريين يرفضون إعادة انتاج النظام السابق بكل ما يمثله من فساد وافساد وتبعية وقهر بتصويت 75 % منهم لمصلحة خيارات أخرى غير الفريق، رغم المليارت التي انفقت لشراء الأصوات، ورغم تجنيد مؤسسات الدولة العميقة وبقايا الحزب الوطني الكامنة في مواقعها لوأد الثورة والبدء من أول السطر (وكأن ثورة لم تقم وكأن نظاما لم يسقط).
ثالثا:أثبت المصريون وبالنسبة نفسها 75 % انهم يرفضون تدشين قواعد دولة الاستبداد الديني تحت راية المرشد، تماما كما يرفضون استحواذ جماعة الإخوان على كل مفاصل الدولة، خشية من تغيير هوية الوطن الذي عرفناه وطنا جامعا للمصريين مسلميه واقباطه،وسطيا ومعتدلا وقادرا وفاعلا .

رابعا:انحاز المصريون بتصويت أكثر من 40% لحمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح لخيار استكمال الثورة وتحويل شعاراتها (عيش،حرية،كرامة،عدالة اجتماعية) إلى واقع مجسد على الأرض عبر الرئيس المنتخب.
خامسا: أثبتت النتائج ان"فوائض القوة"التي حصدها الإخوان والسلف في الانتخابات البرلمانية لم تكن معبرة بدقة عن توجهات المصريين،بقدر ما كانت معبرة عن افرازات لحظة عابرة اختلط فيها السياسي المتغير بالديني المقدس، لحظة ضاقت فيها الخيارات فذهبت بالدفع الذاتي إلى التيار الأكثر تنظيما، باعتباره البديل الموضوعي للاستقرار والأمان المقترن بمظاهر الورع الخادعة، لكن سرعان ما عادت فوائض القوة إلى خياراتها الحقيقية وتموضعت في اتجاه طريق الثورة.
سادسا: القراءة الأولية للنتائج في عمومها ليست محبطة لأنها أكدت انتصار خيار الثورة حسابيا، رغم كل محاولات التشويه المتعمدة لها طيلة 15 شهرا، ساهمت خلالها أطراف كثيرة من بينها الجماعة في "شيطنة" الثورة وتحويلها إلى كابوس عطل مصالح الناس وقطع أرزاقهم وروع أمنهم.
تلك القراءة أكدت ان البديل الثالث الرافض بشكل واضح وصريح لنظام فاسد مفسد ثار عليه المصريون وأسقطوا رأسه بفاتورة الدم، والرافض بالوضوح نفسه لتحويل وطنه من جمهورية مصر العربية إلى دولة المرشد الاسلامية، هو الخيار الجامع.
هذا الخيار خارج دائرة المنافسة الآن رغم انتصاره بحسبة الأرقام، لكن دوره هو الحاسم في ترجيح كفة الميزان تجاه أي من الفريقين باعتباره الأكثر عددا والأقوى تأثيرا.
هذا الخيار الآن يواجه محنة كبرى وضعته فيها حسابات غير دقيقة قبل بداية المعركة، وقوانين ظالمة وظفت لمصلحة "الفريق"، وبات عليه ان يتجرع السم ويختار الاختيار المر أو اختيار المكره.
ان التيار الذي يمثله هذا الخيار تجلى أعدادا على الأرض، وأصواتا في الصناديق، وشبابا في الميادين، لم ترهبهم فتاوى شيوخ العار، ولم يغرهم مال حرام أو بيعة لمرشد، وانحازوا بضمائرهم الحية وقلوبهم الصافية وعقولهم المستنيرة إلى البديل الآمن والناجز والمتحرر من تبعية الفساد والاستبداد.
هذا التيار هو الطوفان القادم حتى وان تأجل حضوره الرسمي بعض الوقت.. هو الفائز وان تأخر إعلان النتجية عاما أو عامين أو أربعة أعوام.. هو من سيعيد لمصر ابتسامتها.. و يقتص لدماء خالد سعيد ومينا دانيال ومحمد مصطفى وكل الشهداء.. ويعيد البصيرة لعيني أحمد حرارة وكل حرارة فقد نور عينيه دفاعا عن حريته وكرامته.