قال الله تعالى فى كتابه العزيز: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً»، وفى هذه الآية الكريمة بين لنا الحق سبحانه جزاء المنافقين وقد خصهم رسوله بالذكر في حديثه الشريف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ».
وقد اختلف العلماء فى هذا الأمر أهي ثلاث صفات أم أربعة؟: فقد روي البخاري وصحح مسلم حديث آخر عن رسول الله (صلي الله عليه وسلم): عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، فَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا».
وقد قال النووي في شرح مسلم: «وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب، قال أهل اللغة: وأصل الفجور الميل عن الحق، وعلى هذا فالفجور في الخصام هو الكذب فيه والميل عن الحق.
وفي كتاب رياض الصالحين جاء الحديث علي لسان ابي هريرة رضي الله عنه فقال أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان متفق عليه".
وقد حسم الإمام القرطبي الخلاف فقال: «لَيْسَ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُض؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ عَدّ الْخَصْلَة الْمَذْمُومَة الدَّالَّة عَلَى كَمَالِ النِّفَاق كَوْنهَا عَلَامَة عَلَى النِّفَاق؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون الْعَلَامَات دَالَّات عَلَى أَصْل النِّفَاق، وَالْخَصْلَة الزَّائِدَة إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى ذَلِكَ كَمُلَ بِهَا خُلُوص النِّفَاق، عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَة مُسْلِم مَا يَدُلّ عَلَى إِرَادَة عَدَم الْحَصْر، فَإِنَّ لَفْظه «مِنْ عَلَامَة الْمُنَافِق ثَلَاث»، وَإِذَا حُمِلَ اللَّفْظ الْأَوَّل عَلَى هَذَا لَمْ يَرِد السُّؤَال، فَيَكُون قَدْ أَخْبَرَ بِبَعْضِ الْعَلَامَات فِي وَقْت، وَبِبَعْضِهَا فِي وَقْت آخَر».
وقت وضع الإمام النووي شرحا للحديث فيه كتابه رياض الصالحين كما يلي: الأولى: «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ» يقول مثلا: فلأن فعل كذا وكذا، فإذا بحثت وجدته كذب، وهذا الشخص لم يفعل شيئاً فإذا رأيت الإنسان يكذب فاعمل أن في قلبه شعبة من النفاق.
والثانيه: «وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» يعدك ولكن يخلف، يقول لك مثلا: سآتي إليك في الساعة السابعة صباحا ولكن لا يأتي، أو يقول: أعطيك كذا وكذا، ولا يعطيك، فهو كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إذا وعد أخلف"، والمؤمن إذا وعد وفى، كما قال الله تعالى «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا»، البقرة: 177، لكن المنافق يعدك ويغرك، فإذا وجدت الرجل يغدر كثيراً بما يعد، ولا يفي، فاعلم أن في قلبه شعبة من النفاق والعياذ بالله.
والثالثة: «وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ»، وهذا الشاهد من هذا الحديث للباب، فالمنافق إذا ائتمنته على مال خانك، وإذا ائتمنته على سر بينك وبينه خانك، وإذا ائتمنته على أهلك خانك، فكلما ائتمنته على شيء يخونك وهذا يدلّ على أن في قلبه شعبة من النفاق.