الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

‎هكذا تكون ‫«‬حياة كريمة»!‬


قادتنى قدماى إلى قرية بسيطة.. متواضعة.. يحاصرها الفقر، ويخنقها الجهل، ويفترسها المرض.. ولكننى وصلت إلى حدودها، وقصدت بيوتها وأكواخها، وأردت مشاهدة رجالها ونسائها وأطفالها.. وكانت المفاجأة أن كل ما سمعت وقرأت عن تلك القرية صار شبحًا.. سرابًا.. وهمًا من الماضى وأساطير الزمان.. وبدأت خطوتى الأولى فى الرحلة على أرض خضراء.. حقل من الحقول مليء بالفلاحين من مختلف الأعمار.. مزارعون يعملون فى نشاط ودأب وحرص لإنتاج عشرات المحاصيل.


ورأيت صناديق تحملها سيارات نقل حديثة إلى عدة مصانع فى نفس القرية تتلقى البضاعة المزروعة ويتولى تخزينها عشرات العمال، لتذهب إلى الخبراء والمتخصصين ليتولوا مرحلة التخزين والتنظيف والمعالجة العلمية، ثم تخرج من المصنع إلى سلسلة المتاجر فى نسق منظم تمهيدا لإتاحتها أمام المستهلكين وإعدادها للتصدير إلى الخارج، وتدور هذه العجلة يوميا وسط حركة موازية لأبناء الفلاحين متجهين إلى مدارسهم لتحصيل العلم والمعرفة، وظهور الزوجة داخل بيتها تمارس دورها فى تعليم بناتها أصول الطهى وأسرار إدارة شئون المنزل.


ونظرت بعينى نحو وحدة صحية متكاملة الأركان من أطقم طبية وأجهزة متطورة وبيئة صالحة للشفاء وتخفيف الآلام، وعلى رأس الوحدة مدير يوجِّه ويراقب ويعاقب من يُقصِّر أو يُهمل أو يستهين  بأداء واجبه وتحمل مسئوليتها، وأمام الوحدة مسجد كبير مريح لإقامة الصلاة والشعائر الدينية يقبل عليه المصلون فى راحة وسكينة بجوار كنيسة تتعالى أجراسها وتتعانق مع كل آذان ٥ مرات.


وبعد غروب الشمس لا تجد تجمعات فقط للترفيه والتسلية، بل ثمة منتديات للتثقيف والتشجيع على القراءة وتزويد الشباب بأدوات العصر من كتب وتكنولوجيا ونقاشات مفتوحة تحرض على التفكير والإبداع والخيال الخصب، وتحيط بهذه الحالة مراكز رياضية تحتضن الطاقات الجسدية وتكتشف المواهب وتتعاقد مع فرق الأقاليم وصولا إلى الأندية الكبرى لبناء صفوف من الأجيال .. وفى كل اللعبات الفردية والجماعية.


وتدق الساعة العاشرة مساءً، ويصمت الجميع، كبيرًا وصغيرًا، ويعم الهدوء كل شبر فى القرية، تُطفأ الأنوار، ويخلد أهل القرية إلى النوم مبكرا ولا يستيقظون إلا على صوت "الله أكبر" لصلاة الفجر، ويبدأ اليوم الجديد، أما أنا فأرحل وأغادر المكان بمشاعر كلها حب ونشوة.. وشجن!


شريط حالم عاشه خيالى وأنا أستمع إلى تفاصيل وأرقام وخطط مبادرة "حياة كريمة" التى رفع شعارها ودشن خطواتها الرئيس عبد الفتاح السيسى، وتأملت أحوال ١٥٠٠ أسرة فى الريف بعد إنفاق نحو ٥٠٠ مليار جنيه على مشروعات تنموية وإنشائية لتحسين المعيشة والارتقاء بأوضاع القرى والنجوع العائمة تحت خط الفقر.


وبحديث الرئيس عن اتجاهات الدولة بالتعاون مع الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى لتطبيق المبادرة وتنفيذ بنودها على أكمل صورة وفى مدة قياسية، تزداد قناعتى بأن البداية الصحيحة تنطلق من أول أرض وضعت فيها قدماى فى قصة القرية.. الحقل.. الرقعة الزراعية التى وهبنا الله إياها وفرَّطنا فى خيراتها لعقود طويلة مضت.


وعندما يتحرك قطار "حياة كريمة" نحو أهدافه فى تحقيق الرخاء والانتعاش الاقتصادى لابد وأن تكون ضربة البداية من المساحات الخضراء وتوفير الصلاحيات والامتيازات لآلاف الفلاحين وتسهيل القدرة على استصلاح ملايين الأفدنة والأراضى وتحصين  الماشية من الأمراض والميكروبات لنحصد الاكتفاء الذاتى من المحاصيل والسلع الغذائية، فتنشط حركة الصناعة والتجارة، وتنهض المشروعات الصغيرة وتنمو من بذور الفأس والمحراث، ويملك صاحب الأرض المال الكافى ليُلحق أولاده بأحدث وأرقى المدارس ويستفيدوا من خبرة وتجربة الزراعة فى تطوير ملكاتهم وإمكانياتهم الذهنية.


والحزمة الأكبر من ميزانية "حياة كريمة" ينبغى أن تنصب على محور "الأرض الزراعية" داخل كل قرية وكل نجع وكل إقليم لأنه الأساس المتين والقاعدة الصلبة لبناء المحاور الأخرى من تنمية اجتماعية وتعليم وصحة وبناء عقول ذكية وأبدان عفية.


وكثيرا ما رددنا عبارة "نحن مجتمع زراعى منذ فجر التاريخ"، وصارت تراثًا، ومع مشروع "حياة كريمة" لا مفر من استدعاء العبارة والعمل بها، فلا تنمية أو تقدم فى الريف بلا زراعة، واستراتيجية مدروسة ومنهجية لتغمر المياه التربة التى تآكلت من الظمأ والتجريف المقصود، وعلى المسئولين الشرفاء بوزارة الزراعة العريقة أن يضعوا على مائدة الرئيس أفكارهم وخططهم لتطوير الريف المصرى من رحم "الأرض الطيبة"، وأبسط حقوق البسطاء والفقراء على هؤلاء المسئولين أن يُسخِّروا جهودهم ومناصبهم لخدمة الشعب والحفاظ على إنسانيته، خصوصا أن الرئيس قد أعطى الضوء الأخضر بالمبادرة الأخيرة، ولم يعد أمام الحكومة إلا سرعة الأداء والإيقاع، وقبلهما اختيار الطريق الصواب.. أرضنا.. أرض مصر العامرة دائما.. وعندئذ حدثنى كيفما تشاء عن "الحياة الكريمة"!

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط