الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لـ نفيسة العلم والخلق نفيسة قنديل


أمام الدائرة الثالثة بمحكمة جنايات شبين الكوم، وقف المحام صبحى مبارك هلال يطرح تساؤله أمام القضاة والحضور، خلال مرافعته بقضية قتل الأديبة والناقدة نفيسة قنديل "شهيدة الغدر"، زوجة الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفى مطر، قائلا: "بم تحكمون على من قرر إعدام العجائز ونفذ حكمه فى عمتي دون رحمة أو قرار من أحد غير ضميره الميت؟".


كانت الساعة تقترب من منتصف الليل حينما اقتحم القاتل بيت الشاعر الراحل، منفردا بضعف أرملته بغرض سرقتها، للمرة الثانية، وقد كررها قبل عامين، مؤمنا كغيره من أهل الحسد والحقد أن بيوت الكرم بها من الثروات ما يكفى لنهبها مرارا.


دقائق وأصبحت سيدة العلم والكرم تحت سيطرته الهشة، مرفوعة الرأس، تتلاعب ألفاظها فى شموخ وسمو بقوة عضلاته المرتعشة حينما استفزته "سأنتقم لنفسي وأستدعيك للمحاكمة أينما هربت أيها الوغد، فلا تعتقد أن رباطا على عيني يمنع تعرفي على شخصك وتذكر تفاصيل حضورك إلى بيتي برائحة ضميرك الميت العفن".


لم يكن أمام الوغد خلال ساعات ليل شتاء مارس 2019 سوى قتلها والاستمرار فى البحث عن المال داخل غرفتها الخاصة مجددا، حتى إذا ما خرج منها بيده ما أراد، تفاجأ بروحها لاتزال تتبع خطواته، فأكمل جريمته ليقضي عليها تماما ويفسح الطريق لصرخات الألم والحسرة داخلنا.


حملت جثمان الخالة الشهيدة فى الصباح إلى الطب الشرعي وأنهيت مع العائلة إجراءات التشريح وأوراق التصريح بالدفن، متذكرا خلال ساعات صحبتها الأخيرة كل مشهد عشته بين وصاياها وحنوها على ضعفي أمام محنتي.


سنوات من الألم اعتصرت فيها من تنبأ لها زوجها بالموت وحيدة شهيدة، خلاصة الحكمة حينما حطمت بكلماتها الناعمة وابتسامتها الساخرة أسوار الغم المحبوس خلفها، "إياك أن تيأس من رحمة الله متى وجدت أهلك يكذبونك ويشككون فى ضمير يشهد الله على نقائه، فهى المحنة التى كتبها تعالى عليك لترى بعدها كل الأزمات صغائر".


كانت وصيتها، "إياك أن تحاسب بريئا على غير فعله فيحتسب عند الله حقه المسلوب طرفك، فتصبح فى خصومة مع من وكله أمره، فتكون من الخاسرين".


خمسة أيام من البحث والفحص والتدقيق ومراجعة كل المترددين على "شهيدة الغدر" قاد خلالها العميد محمد على مدير المباحث الجنائية بالمنوفية فريق بحث مكون من 12 ضابطا، كشفت كثيرا من الحقائق كانت كافية لتعرية وجوه وفضح أشباح على هيئة بشر.


الشائعات تنتشر داخل القرية الصغيرة التى انطفأت أنوار شارعها الرئيسي خلال ساعات الجريمة لتمنع تتبع أي حركة غير عادية داخل جدران البيت الصغير بأسواره المنخفضة، ومصادفة رصدت كاميرات مراقبة تتبع قاعة مناسبات فى طريق خلفه حضور الجاني وعبوره إلى المنزل من بين الزراعات ومتخللاتها.


حالة من الحيرة تسيطر على محبي الشهيدة النفيسة، لقاء حالة من الرعب عاشها أطفال القرية الذين تمتعوا بحنينها، وثالثة من الاستخفاف بمشهد الموت اعتاد عليها مروجو الشائعات التى وصلت حد استهداف محبيها وأقربائها، لكن كفاءة رجال الأمن أوقفت تلك المهزلة بعدما أنجزوا مهمتهم على أكمل وجه وأتوا بالقاتل ليعيد تمثيل مشاهد جريمته معترفا بها أمام النيابة والقضاء.


تحدد المحكمة أحد أيام ديسمبر 2020 موعدا للنطق بالحكم بعد استشارة مفتى الجمهورية فى إعدام القاتل، فى القضية رقم 633 لسنة 2019 كلى جنايات شبين الكوم، فى واقعة لم تتكرر بالقرية منذ قرن كامل، ربما اختلف داخل حدودها طباع البشر والأهل وطبيعة الصلات العائلية.


قرار القضاء يأتي فى نفس الأسبوع الذي افتتحت خلاله مدرسة ثانوية تحمل اسم الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفى مطر داخل القرية، وقد تبرعت زوجته الشهيدة وأبناؤه لؤي وناهد و رحمة بالأرض المخصصة لها طبقا لوصيته، وجاوز أهل الخبث مداهم حينما سعوا لإيقاف حق الأسرة القانوني والأدبي فى تسميتها باسم الأب الراحل.


أي موقف يمكن تأمله تجاه أخلاق نفر لم نعد نأمل منهم سوى نكران الجميل ورفض الاستئناف على مكائدهم، تستقيم معه نظرتنا لهم بعد معاناة طويلة فى مواجهة عاداتهم وسلوكياتهم، حتى أصبحنا أمام قلوب بعضهم لا ألم بنا تهتز له، ووجوه لا بشارة فيها شامتة فى الموت ضاحكة أمام الخيانة والغدر، ساخرة من الدم.


حسرة القلوب الطيبة على فقدان الطيبين لا تنتهى، ومواقف الشدة تعلمنا الكثير وتكشف بيننا الكثير، وظني فى الله كبير أن بشرا ممن خلق يستحقون الخير منا فهو أعلم بما لا نعلم، لكنها ساعة المواساة تقترب نهايتها لتبدأ مراسم العزاء الحقيقي، ندعو فيها الخالق أن يرحم أصحاب القلوب الرحيمة ويلهم أهلهم الصبر والسلوان.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط