الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عكس الاتجاه


لا يستطيع شخص ما وأنا منهم أن يجزم بأنه قادر على الإحاطة بأنماط التفكير المحيطة به داخل بيئته، حيث أنها من السعة بمنزل أكثر وأعمق من قدرة العقل على استيعابها، ناهيك عن ضرورة تجاوزها ، غير أني هنا أحاول جاهدًا أن أقدم أنماطًا من التفكير التي سببت للعقل العربي عامة والمصري خاصة على طول الخط الزمني كثيرًا من التأخر، وجعلته يترنح في خطواته فلا يستطيع أن يواكب ما صار إليه العقل الغربي من التقدم ، وإذا بحثنا في جذور هذه الأنماط وجدناها ترجع إلى الميل والانحراف عن طرق التفكير السوية، وبالطبع في المقام الأول تنشأ نتيجة التخلى التدريجي عن السنن الإلهية التي شرعها الله في كتبه السماوية، والبعد عن فهمالهدي النبوي فهمًا تطبيقيًا لا قوليًا .

وفي طليعة أنماط التفكير المعيبة: التخلي عن خلق السماحة، وما تبعه من تنازع واختلاف وصراع ومنازعات حول أمور هى في جوهرها عديمة الجدوى، ولا أريد أن أعيد مكرورًا من الكلام غير أن الواقع المعيش والتاريخ يبرهن على تلك الحقيقة التي مؤداها، أننا نسينا عدونا الحقيقي أو بالأحرى نجح العدو أن يولد بيننا من أسباب التناحر والتصارع، وأن يزرع بيننا من أسباب الاختلاف ما أصبح كافيًا؛ لأن يجعلنا نجزم بأن العودة إلى الاتحاد بات ضربًا من المستحيل، وبات خيالًا وأحلامًا يتغنى بها الشعراء ويرددها المفكرون .

لقد عجبت لشعوب إسلامية وحد بينها الإسلام وألفَّ بينها على أخوة الدين، وباتت تتخلى عن تلك الوحدة ؛ لتعود أدراجها إلى أفكار صنعها الاستعمار،فقد استطاع الاستعمار أن يقسمنا إلى أوطان متناحرة، وحدد لكل منا حدودًا، وفرقنا شيعًا وقبائل، وبات لكل شعب وطن مغاير، وبدلًا من أن نتكامل صرنا نتنافس ونتناحر، ولا يظن من لاعقل له أنني أقلل من أهمية حب الوطن أو الوطنية، فهى أمر غريزي فطري مجبول عليه الإنسان، ولكنني أمقت تقديس هذا الحب،حتى جعلناه يطغى على وحدة الدين، فنسي بعضنا خلق السماحة وتناسى تعاليم الإسلام، تلك الوحدة التي فهمها الصحابة - رضوان الله عليهم - فكانوا يقاتلون لأجلها أباءهم وذويهم من أهل الكفر؛ لأجل إعلاء كلمة الله ونصرة هذا الدين
يقول تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗوَاللَّهُلَايَهْدِيالْقَوْمَالْفَاسِقِينَ ) ( التوبة 24 ) ، وما هذه الأشياء سوى الوطن فقد نهى الله -عز وجل – عن المبالغة والتعصب لهذه الأشياء على حساب حب الله ورسوله .
ومن هنا نعلي قيمة التسامح وقبول الآخر، وقد علمنا الإسلام أهميتها،ودعا إلى نبذ الاختلاف والعصبية ، والتعايش بين كل الطوائف وحسن التعامل مع الآخرين .
ومن أسوأ أنماط التفكير المعيب: الصلف والتكبر والتعالي تلك الصفات التي انتشرت بيننا، ولم تعد قاصرة على أقوال الفخر والمدح الزائف فحسب، بل تعدت إلى سلوكاتنا العملية في أيسر مناحيها؛ فتعقدت أمور حياتنا اليسيرة ...فأنت ترى على سبيل المثال لا الحصر،أن مراسم الزواج باتت ضربًا من التفاخر، وارتفعت المهور، وتفاخر الأهلون ببضاعتهم من الأمتعة والأجهزة، مما أعجز الشباب وأدى إلى انتشار الجرائم، وزادت نسبة العنوسة،والعجب كل العجب !!! من أين لنا بمثل هذه العادات ؟! وكيف تسرب الكبر لنفوسنا ؟!.. أذكر وأقسم غير حانث منذ عدة أعوام كنت أعمل معلمًا، وتصادف أن طلبت مني إحدى السيدات : أن أعطي ابنتها درسًا خاصًا، وكنت أحرص على خفض سعر الدرس حتى لا أرهق كاهل الأسرة، وحتى يبارك الله لي في القليل، وفجأة عصفت برأسي صدمة كالصاعقة، وجدت أن هذهالسيدة تعتذر؛ لأنها وجدت مدرسًا يأخذ أكثر مني أجرًا، وبأن صديقتها تتفاخر عليها لأن أجره أكثر من أجري.
هكذا ...ضرب التفاخر والتعالى جل العادات والمعاملات الحياتية وأعظمها قيمًا، هذا يلتقي بهذا فيخبره أنه يحمل تليفونًا يساوي كذا...من النقود، وهذا يتفاخر بسيارته...، وهذا يتفاخر بمسكنه...، وهذا يتفاخر بطعامه وشرابه... ، وبات كل منا يطاول الآخر...، وندر منا من يتواضع في معيشته فضاقت علينا الأرض بما رحبت .
ومن أنماط التفكير المعيب أيضًا: البعد عن منهجية التفكير العلمي في تصرفاتنا اليسيرة ، فنحن من أعظم الشعوب في إصدار الأحكام العامة تبعًا لهوى نفوسنا، فإذا أحببنا شخصًا رفعنا قدره دون النظر إلى إنجازاته، وإذا كرهنا شخصًا خسفنا به الأرض، وتناسينا ما يُقدم من إنجازات وإن بلغ بها عنان السماء ، وهذا أكثر بيننا من الشائعات، وحقر من ثقافة العمل، وقلل من تقدير القامات المنتجة، فتسلق منابر ومآذن البلاد ديوك تصيح دون وعيٍ، وأفواه تنسب لأنفسها ما لاتفعل ومن الحمد ما لاتستحق، وتصدر المشهد من لاقيمة لهم، وتراجع الحيي المعطاء، وتوارى العالم الوقور، مخافة ألسنة السفهاء ؛ ليبرأ لنفسه وعرضه .
ومن أنماط التفكير المعيب أيضًا: شخصية ( أبو العُرِّيف أو الخنفشار ) ذلك النمط المتفشي الذي تصدر كثيرًا ساحات الإعلام،وتغلغل في أوصال المجتمع بصفة عامة ، فكل شيء مسموح الكلام فيه، وكل شيء مباح للحوار، وإبداء التفاسير وتقديم التحليلدون حرج،الكل يصلح قاضيًا ومفتيًا دينيًا وسياسيًا بارعًا ومدربًا كرويًا.....، حتى بات الأمر ضربًا من الفوضى التى أصبحت تعرقل الإنتاج، وتهدم الكوادر وتخيف المسؤول الأمين من اتخاذ القرار الصائب؛ خوفًا من النقد والإعلام والصحافة؛ لأن من يتكلم لايتكلم عن دراسة أو عن رأيٍ علميٍ مدروس، والأعجب... أنه قد لايملك حق الكلام أو أن مؤهلاته لا تعطيه حق التصدي للحديث، فهو أبعد ما يكون عن مجال الحديث لكنه ( أبو العريف ) .
ومن أنماط التفكير المعيب أيضًا: نمط الفريقين ، فقد بات التحزب متفشيًا حتى آل الصراع إلى فريقين يتصدران المشهد، وهما يتباريان والأعم من الناس بينهما - ما بين مؤيد أو معارضٍ - فمن لم يكن معنا فهو ضدنا ، وللإعلام دور كبير في هذا التصارع والتحزب، حتى صار الإعلام يروج لهذه الفكرة ، وبات لدينا نوعين من الإعلام النوع الأول: إعلام موجه يسعى لفكرة بذاتها ويسير نحوها وله فريقه، والآخر: إعلام يسعى لفكرة مضادة ومعاكسة تماما ، ولك أن تتخيل ما يحدثه ذلك من طرح لموضوعات ليست ذات قيمة بهدف السعي لخدمة فكرة أو التنافس على ما هو دون قيمة وفائدة ، وكم من جهود ضاعت سدى؟!!
إذا هى وجهت توجيهًا سديدًا لكانت كفيلة لنشر وعيٍ وثقافة حقيقية، ولأحدثت من التقدم ما يثير العجب لبناء مجتمعاتنا... لكن هيهات .. لا حياة لمن تنادي .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط