الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما بين العلم والدجل


في عام 1991 صدر تقرير التنمية، والذي عمل على إنشائه عالم الاقتصاد الباكستاني الشهير محبوب الحق الذي اهتم بنظريات تطور المجتمع الإنساني وساهم مساهمة كبيرة في إنشاء مؤشر التنمية البشرية وتعد أفكاره واقتراحاته الأساس الذي أنشئ عليه المجلس الاستشاري للاقتصاد والمجتمع في الأمم المتحدة.

وأكد في هذا التقرير أن التنمية البشرية لا تؤدى مهامها دون أن يكون هناك نمو اقتصادي مصاحب، وإلا لن يكون هناك تحسن في الأحوال البشرية عموما، وفي عام 1994 صدر تقرير التنمية من الأمم المتحدة الذي أكد فيه ان التنمية البشرية هي نموذج هام من نماذج التنمية والتي من خلالها يمكن لجميع الأشخاص توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حد ممكن وتوظيفها أفضل توظيف في جميع الميادين، وهو بذلك يحمي خيارات الاجيال التي لم تولد بعد.

وخلص التقرير إلى أن التنمية المستدامة تعمل على توفير الإنصاف داخل الجيل الواحد وبين الأجيال المتعاقبة، إذ أن الجيل الحالي يتحمل عادة معاشات تقاعد الجيل السابق، كما أن الجيل القادم سوف يتحمل مصروفات معاشات الجيل الحالي العامل كما أن ديون الدولة تتحملها في المقام الأول الأجيال القادمة حيث إن الديون دائما ما تكون ديونا طويلة الأجل.

وفي الفترات الأخيرة أصبح الحديث والعمل في مجال تدريبات التنمية البشرية يشكل مصدر دخل مربح للكثيرين سواء عن طريق المحاضرات او الدورات والمؤتمرات او تأليف الكتب، وككل العلوم الانسانية التي تثار حولها العديد من الاسئلة المشروعة التي تناقش أساسياتها خاصة في ظل ضجيج يزعج الاذان والعقول، فهل التنمية البشرية علم حقيقي له قواعد ومنطلقات أم أنه خرافة ودجل يعتمد في محورها علي ضخ جرعة تفاؤل وبث أحلام لا علاقة لها بالواقع ولا يجني المستمع لها او القارئ عنها تغييرات فعلية، هذا السؤال يتم طرحه ويتداول بشكل متصاعد بعد حالة الاهتمام الكبير الدائر حاليا بين الشباب خاصة لهذه المحاضرات وتلك الكتب التى صارت في حد ذاتها تشكل طريقا ومنهجا لتنمية المتحدثين فيها او المؤلفين لها ومصدر لرزقهم هم وليس للمستهلكين نظرا لما يقدمونه من احاديث وكلمات وقصص.

فهل هناك علاقة بين التعريف الذي أشار إليه تقرير التنمية الذي صدر من الأمم المتحدة في العام 1994 وبين ما يقدم من كتب تتحدث عن القوى الخفية وقدرات العقل الباطن وتحقيق المكاسب.

أخشي ان يكون هذه المسميات قد استغلت الفقر التعليمي نتيجة سنوات الدراسة الوهمية ليضخ في عقله افكار جميلة تحمل في حد ذاتها جاذبية الحديث الذى يحتاج اليه الشباب، ليجد نفسه في النهاية بلا محصول فعلي او تغيير في طريقة التفكير او اكتساب مهارات حقيقية تحمل معنى التنمية الشاملة وهي التنمية التي يستطيع بها الشاب ان يغير الواقع او ان يواجه بها المشكلات المعقدة التى تقف امام تقدمه.

لذلك ففي اعتقادي أن هذا العلم يحتاج الي مجهود شاق يبذله الشاب الذي يسعى الي هذا التغير في حاضره ومستقبله وليس مجرد الجلوس في ركن هادئ والاستماع الي محاضر لم يدرس هذا العلم درسا علميا اكاديميا والخضوع لعملية شحن عاطفي واحلام يقظة تدغدغ المشاعر وسريعا ما تذهب مع الريح. نحن بالفعل في حاجة لوضع حدود فاصلة بين التنمية البشرية كعلم وكمهنة من لا مهنة له تحقق الربح للبعض والخيبة للبعض الاخر، وتطيح ما بين الأمرين بشباب واعد يحلم ببناء مستقبله.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط