الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سرقات تاريخية


إنتشرت فى السنوات الأخيرة بعض الأفكار الخبيثة والغريبة عن مجتمعاتنا وتم تسريبها لنا بما مفادها أن الآثار والتراث لمن يدرك قيمتها، وهى فكرة منبتها تثبيت شعور عام لدى المجتمع كافة نحو إهمال ملف العناية والحفاظ على الآثار المصرية بصفة خاصة، وتقبل فكرة نقل آثار منطقتنا العربية للدول المتقدمة وترسيخها بوجداننا.

صحيح أن هناك إهمالا جسيما وخلل فى منظومة العناية بالآثار في المنطقة العربية كاملة خاصة بعد ما مر بها منذ العام 2011، كما أن الآثار المصرية قد عانت لفترات طويلة من الإهمال نتيجة قصور رهيب فى الإمكانات، مقابل قدر كبير ومتراكم منذ سنوات طويلة من الفساد والنهب والسرقة والعمل يجب الذى تأخرت فى إنجازه وزارة الآثار المصرية، لكن هذا ليس مبررا للتخلى والاستسلام لفكرة أن دول المنطقة ليست أهلا لكل هذا الإرث التاريخي للبشرية.

ويعد أبرز هذه الملفات هو ملف الآثار المهربة إلى الخارج التى يفاجئنا كل فترة من خلال عدد من القطع المعروضة فى صالات المزادات العالمية، صحيح أن وزارة الآثار بمشاركة وزارة الخارجية المصرية تبذل جهدا كبيرا، لاستعادة هذه الآثار المنهوبة ، لكن هذا لا يكفى أبدا لوقف نزيف سرقة الآثار المصرية تحديدا، فعلى الرغم كل محاولات اللحاق باللصوص والسارقين، ما زلنا حتى اليوم نطالع من الأخبار عن مزادات معقودة لبيع قطع أثرية مصرية نادرة، وآخرها إصرار دار كريستيز الأمريكية

عرضت 27 قطعة أثرية نادرة ضمن 115 قطعة أخرى من كافة أنحاء العالم، فى منتصف الشهر المقبل، ومن المعروف أن دار كريستيز الأمريكية، قد تأسست في عام 1766 على يد جيمس كريستي، وتعد دار مزادات الفنون الرائدة في العالم.

وقبلها بأيام الإعلان عن بيع ساعة يد تخص الملك فاروق، كانت ضمن مقتنيات القصور الملكية، ولا أعتقد أن مكافحة سرقة الآثار وتعقب القطع المسروقة وحده يكفى لوقف نزيف سرقة الآثار.

فلا تزال أرض الدولة المصرية تحتوي على آلاف القطع الأثرية كما أن هناك آلاف القطع الأخرى المكدسة فى المخازن بصورة لا تتمشى مع قيمة تلك القطع، هذه المخازن التى لا يعلم أحد حقيقة محتوياتها ولا يوجد كتيب واحد يضمها جميعا، ويسهل جردها أو تعقبها وحمايتها سواء من الإهمال أو السرقة.

ولعل الأمر نفسه فى كافة المساجد والآثار الإسلامية التى تم تفكيك أبوابها ومنابرها بنفس الشراسة التى يتم بها نهب الآثار الفرعونية، ناهيك عن المواقع التى لم تكتشف بعد ووصلها اللصوص قبل المنقبين.

نحن إذا بحاجة إلى مشروع قومى كبير، يهدف إلى وضع ضوابط لحماية الآثار وطريقة للتعامل اللائق مع المعروضات، نحن بحاجة ماسة إلى أن تختفى مخازن الآثار، وتصير كلها معروضات فى متاحف تضيئ كافة أنحاء الدولة المصرية.

إن قضية حماية الآثار تبدأ أولا بالتخلى عن النظرة المركزية والقاصرة التى تزيد من تكدس القطع الأثرية فى مخازن بالقاهرة أو الأقصر، وهما الوجهتان الأقرب والأكثر شهرة بين السياح عالميا وأن نبدأ فى توزيع الاهتمام بالمواقع الأثرية، وتعريف المواطنين المصريين، والزوار من كافة أنحاء العالم، أن كل ركن فى جمهورية مصر العربية يضم متحفا جميلا يستحق الزيارة، وأن تتنوع دعاياتنا السياحية، وأن تقدم الوزارة حوافز تشجيعية لشركات السياحة التى تنوع برامجها لتشمل التعريف بمناطق سياحية أثرية جديدة في محافظات جديدة بدلا من الاكتفاء برحلتى الأقصر وأسوان، وشرم الشيخ والغردقة.

فى النهاية فإننا نسعى لأن ندعم فكرة نشر الوعي الأثرى، والاهتمام بنشر الشعور بالحرص على تراث مصر التاريخي بكل أشكاله وصوره، وهى فكرة تشوهت كثيرا فى الأعوام الأخيرة، وظهرت بدلا منها أفكار هدامة رديئة وخبيثة، مفاداها أن القطع الأثرية المصرية تنال اهتماما أكبر حين يتم تهريبها إلى الخارج أو باختصار أن "الآثار لمن يدرك قيمتها" بتعبير أصحاب هذه الدعايات السلبية ونحن منه براء.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط