الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الجيش وعبقرية الاستشعار عن بعد


المكان: قاعدة سفاجا البحرية
الزمان: صباح يوم 5 يناير 2017
الحالة: صافرات المقاتلات البحرية تشق أمواج وسماء البحر الأحمر كزئير الأسود، ليخرج من بينها صوت أحد رجال الجيش معلنا عن بدء حدثا غير عادي قائلا:

"بسم الله الرحمن الرحيم.. سيادة الرئيس نظرا لتغيير موازين القوى وما طرأ على منطقتنا من تغييرات إستراتيجية يمكن أن تؤثر سلبا على الأمن القومي المصري، كان لابد من تطوير أسطولنا البحري، واستشعارا من القيادة العامة للقوات المسلحة بالأخطار التي ممكن أن تحدق بالوطن، فقد اهتمت بتطوير البحرية حتى تكون قادرة على تنفيذ مهامها في المكان والوقت المحددين".

ما بين المكان والزمان والحالة، كانت مصر على موعد لتدشين الأسطول البحري الجنوبي في البحر الأحمر، ومع مرور عام على تدشين الأسطول وفي ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة حاليا، أعترف أن سردنا لأهمية الحدث وقتها كان قاصرا على نقاط محددة لا تتناسب والأهمية الحيوية والحقيقية والتي أدركناها حاليا، رغم أن كلمات حفل افتتاح التدشين كانت كاشفة للأهداف الرئيسية وأبرزها مواكبة التغيرات الإستراتيجية في المنطقة.

المقدمة السابقة كانت ضرورية فرضتها علينا ضرورة الرد على سؤال مهم وهو.. هل مصر قادرة على مواجهة المخاطر التي بدأت في الظهور بالبحر الأحمر وناحية الاتجاة الإستراتيجي الجنوبي خاصة في ظل التطورات التي حدثت في سيناء ووجود دول عدائية مثل تركيا على الأرض هناك بعد أن قام الرئيس السوداني بتسليم جزيرة "سواكن" لها لإدارتها؟

الإجابة على هذا السؤال وهو الاهم بالنسبة للشعب المصري يتطلب أن نوضح أولا الأهمية الإستراتيجية للجزيرة "سواكن" التي تبعد عن الحدود المصرية بجوالي 342 كيلومترا، بينما تبعد عن العاصمة السودانية الخرطوم ضعف المسافة تقريبا، وخطورة التواجد التركي عليها.

دعونا نعترف أن أي تواجد أجنبي على الجزيرة من شأنه أن يكون مؤثرا في حركة الملاحة بمضيق باب المندب، لتواجد المضيق على نفس الخط الملاحي القريب من جزيرة "سواكن"، مع العلم كما هو معروف حجم الأهمية الإستراتيجية لمضيق باب المندب بالنسبة لمصر.

بسبب وقوع الجزيرة على مياه البحر الأحمر فذلك سيتيح للقوات الأجنبية (في حال موافق السودان على حرية حركة تركيا داخل مياهها الإقليمية) مراقبة حركة السفن سواء التجارية أو الحربية، علاوة على السفن المارة من وإلى قناة السويس المصرية.

الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان ينصب العداء للقيادة السياسية المصرية الحالية.. وبالتالي فتحركاته على الجزيرة لن تصب بأي شكل في مصلحة مصر.

جزيرة "سواكن" وبسبب موقعها الجغرافي البعيد عن الرقابة المباشرة للدول وملاصقتها لمياه البحر الأحمر قد يجعلها ملجئا للعناصر الإرهابية في ظل فشل تلك العناصر ومن يدعمها في دخول مصر بأي وسيلة، وبالتالي سيكون المنفذ الوحيد هو البحر الاحمر والملاذ الآمن لهم هو جزيرة مثل "سواكن".

تدشين الأسطول الجنوبي منذ سنة الذي يتم فرق مقاتلة في التخصصات المختلفة، والمخاطر الجديدة التي بدأت تظهر حاليا والتي تمس حدودنا الجنوبية من ناحية البر والبحر.. تدل العبقرية المصرية في القراءة المستقبلية للأحدث وتأهبها ويقظتها الدائمة.

وفي إطار حماية الحدود البحرية أيضا من خلال القراءة المستقبلية حرصت مصر على توطيد علاقتها بشكل كبير مع الدول الكبرى المشتركة معها في الحدود البحرية بالبحر الأحمر، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وإقامة تدريبات عسكرية مشتركة تتضمن العمل المشتركة على حماية المخاطر البحرية خاصة من خلال التدريب السنوي المشترك (مرجان).

العمق الافريقي لمصر.. كان ايضا على رأس تحركات القيادة السياسية، فمثلا قام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي خلال 2017 بالقيام بزيارة 7 دول افريقية، وهو ما يعطي قوة تواجد مصرية بالدول الافريقية تنسحب بشكل أو بآخر على الدول المرتبطة بشكل مباشر بالتحرك الاستراتيجي في البحر الاحمر.

حرصت مصر كذلك على التواجد لتأمين باب المندب باعتباره بوابة الأمان للملاحة في قناة السويس، والتعامل المصري أيضا مع الأزمة اليمنية والصراعات هناك والتي تقوم على مبدأ واحد وهو توفير حياة كريمة للشعب اليمني دون الدخول في تحالفات المصالح الشخصية.. جعل الموقف المصري قويا دون عدائيات صريحة مع أي طرف في التعامل مع أية مخاطر قد تأتي من ناحية البحر الأحمر.

في النهاية وفي ظل وجود قيادة سياسية وعسكرية تعمل بهذا الأسلوب والإدراك يجب أن نطمئن.. ويجب فقط أن ندعم تحركات دولتنا ولا نكون "شوكة" في ظهرها يستغلها كل متربص بوطننا الغالي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط