قضت محكمة القضاء الإداري، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين عبد الحميد متولى، واحمد مكرم، نائبى رئيس مجلس الدولة، بإلغاء القرار المطعون فيه الأول الصادر من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، بنقل احمد عبد الحى السنديونى من وظيفته من عمله الاصلى بمراقبة حسابات الائتمان الزراعى والتعاونى التابع للجهاز بكفر الشيخ، الى مراقبة حسابات الهيئة القومية للبريد بطنطا؛ لاستخدامه حقا دستوريا فى التعبير عن رأيه عبر وسائل النشر الورقى والمرئى والمسموع والالكترونى، بما لا يعد تصريحا أو بيانا عن أعمال وظيفته أو إفشاء لما هو سرى منها بطبيعته أو بموجب تعليمات تقضى بذلك، وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام رئيس الجهاز مصروفات الطلب الأول.
كما قضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الثانى الصادر من رئيس الجهاز بنقل المدعى من طنطا إلى محافظة أسيوط؛ باعتباره تلاحقا لقرارات النقل مشوبا بالانحراف فى السلطة، وما يترتب على ذلك من آثار؛ اخصها إلزام رئيس الجهاز بتمكين المدعى من تسلمه عمله الاصلى بفرع الجهاز بكفر الشيخ، والزمت رئيس الجهاز مصروفات الطلب الثانى.
وقالت المحكمة عن القرار المطعون فيه الأول: إن الأصل المقرر دستوريا والمتطلب ديمقراطيا هو وجوب كفالة حماية الموظفين العموميين فى أداء واجباتهم مع كفالة حرية الرأى سواء لذات العاملين فى مباشرتهم للنقد رغبة فى الإصلاح وتحقيق المصلحة العامة أو غيرهم من المواطنين، مع رعاية حرية وتوفير حق الشكوى لكل منهم لوسائل النشر الورقى والمرئى والمسموع والالكترونى وغير ذلك من طرق النشر والإعلام؛ مما تستحدثه بيئة التطور الإعلامى دون مساس بأسرار الدولة وصيانتها، وان اجتماع حق الشكوى مع حرية الرأى والتعبير عنه يبيح كأصل عام لكل مواطن ان يعرض شكاواه ومظالمه على الرأى العام شريطة الا يتضمن النشر ما ينطوى على مخالفة للدستور أو القانون أو إساءة استعمال الحق؛ لان عدم اساءة استعمال الحقوق هو القيد العام المشروع الذى يسرى على جميع الحقوق والحريات.
وأضافت المحكمة، أن القاعدة التى تحكم مدى اعتبار قيام الموظف العام بالنشر مشروعا من عدمه هى أن من المقرر وفقا لصريح النصوص الدستورية ان الوظائف العامة كما هى حق للمواطنين هى تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وتكفل الدولة حمايتهم فى قيامهم بأداء واجباتهم فى رعاية مصالح الشعب، وان حرية الرأى مكفولة ولكل انسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة او التصوير او غيرها من وسائل التعبير، ولكل مواطن حق مخاطبة السلطات العامة ومشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطنى، وان النقد البناء ضمانة لسلامة البناء الديمقراطى السليم، ومن ثم فانه فى اطار حرية الراى والنقد وحق الشكوى وحق الموظف العام فى الحماية فى اداء واجبات وظيفته التى قررها الدستور والقانون انه لا حظر على الموظف العام فى ان ينشر عن طريق وسائل النشر الورقى والمرئى والمسموع والالكترونى كل ما لا يعد تصريحا او بيانا عن اعمال الوظيفة او افشاء لما هو سرى منها بطبيعته او بموجب تعليمات تقضى بذلك.
وذكرت المحكمة ان للموظف العام ان يتظلم الى السلطات الرئاسية وله ان يعبر من خلال وسائل النشر المختلفة عن تظلمه مما يعانيه او مما يتصوره ظلما لحق به وان يحدد وقائع ما لاقاه من عنت او اضطهاد، وكذلك ان ينتقد بصيغة موضوعية اجراءات ونظام العمل ووسائله مقترحا مايراه بحسب وجهة نظره وخبرته من اصلاح فى اساليب ووسائل تنظيم واداء العمل مما يرتفع بمستوى الخدمات والانتاج للمصالح العامة وحماية الاموال والاملاك العامة، ورعاية حقوق وكرامة المواطنين شريطة ألا يلجأ الى اسلوب ينطوى على امتهان او تجريح للرؤساء بما لا يستوجبه عرض وقائع الشكوى، وله كذلك ان يوجه النقد للنظم الادارية السيئة او العتيقة والبالية وبيان صور ما يعانيه من ظلم او افتئات او مايراه من تخلف فى الانظمة، والوسائل التى تتبعها الجهات الادارية بما يعوق سير، وانتظام اداء المرفق والمصالح العامة للخدمات العامة للشعب.
وأكدت المحكمة ان المدعى فى اواخر عصر الرئيس الأسبق مبارك ثم بعد ثورة 25 يناير 2011 قام بنشر عدة اخبار نشرت له وزملائه ببعض الصحف عن رؤيته فى تطوير الجهاز المركزى للمحاسبات وكون مع زملائه حركة "رقابيون ضد الفساد"، وهم يسعون الى اصلاح الجهاز وتطويره لحماية المال العام، والمطالبة بتدعيم استقلاله فى ظل عهد الإخوان قبيل اصدار دستور 2012، والمطالبة بتعديل بعض المواد التى تعتبر عدم الرد على مناقضة الجهاز او مكاتباته مجرد مخالفة ادارية، فضلا عن انتقاده لقضايا الفساد التى شغلت الراى العام فى عهد الرئيس الاسبق مبارك، وكل اولئك يدخل فى نطاق ابداء المدعى لرأيه فى حوادث عامة وقعت فعلا ولا تمثل فى مجموعها عملا غير مشروع، ولا يعد ذلك منه تصريحا او بيانا عن اعمال وظيفته او افشاء لما هو سرى منها بطبيعتها، وقد علمها الرأى العام كله وانشغل بها لتعلق احداها بصحة الانسان المصرى والاخرى باموال الشعب، وجميع هذه الاسباب كانت سابقة مباشرة على القرار المطعون فيه الاول والدافع الى اصداره مما يكون معه هذا القرار مخالفا لحكم الدستور والقانون متعينا القضاء بالغائه.
وأشارت المحكمة إلى أن القضاء الادارى هو الجهة القضائية المختصة التى لها ان تغوص فى نوايا واهداف الجهة الادارية بحسبان ان القضاء الادارى بحكم درايته وتخصصه اضحى عليما بما تستهدفه الادارة من اهداف وعلى دراية بالوسائل التى تتخذها الادارة وسيلة لاصدار قراراتها.